جميع المباريات

إعلان

كليبتومانيا

عبد القادر سعيد

عبد القادر سعيد

ربما لم يعتاد هذا الطفل على قيام العدل في حياته البائسة، فالجلوس في المقاعد الأمامية في مدرسته الابتدائية كان بأفضلية علاقات الأباء بالمدرسين أو بمن يدفع أكثر في الدروس الخصوصية.
 
الدواء كان درجات بأثمان متفاوتة أقلها يحتاج وقتاً أطول للشفاء قد يسبقه الموت، وأغلاها كان يشفي مثل السحر في دقائق، هذا هو العالم في أغلب الأحيان لا يمنحك العدل دائماً وربما إذا كنت تعيساً لن تقابله في حياتك، لكن هذا الطفل ظن أنه الوحيد المقهور والمقصود بين مليارات تناوبوا على الحياة في هذا الكوكب.
 
هذا الطفل عندما كبر وامتلك القرار، اختار الهروب من اختبارات الحياة وقوانينها الصعبة وفروضها الشاقة غير العادلة إلى الرياضة من أجل البحث عن بطولة قد تكون أسهل حيث لا تحتاج هنا إلى هذا القدر من العمل والتعب والمشقة لكي تصبح طبيباً أو عالماً أو حتى عاملاً تقضي 12 ساعة من يومك في عمل هو في الغالب بلا فائدة.
 
في الحقيقة هو لم يكن طفلاً واحداً، لا داعي للتفكير في أعدادهم لأن الأمر يغدو مُرعباً لدرجة تجعلك تتحسس رقبتك وتبتلع ريقك في وقت تنتفض فيه عروقك بالدماء، شعور بالخطر يرد إلى بالك برسالة عاجلة إذا عرفت أن هذا الطفل أصبح منه آلاف النسخ الآن في الرياضة.
 
هوس السرقة أو ما يُعرف علمياً بـ" Kleptomania" أو كليبتومانيا هو ما يجعل الشخص يكون لديه شغف للسرقة حتى لو كان لا يحتاج إليها مادياً، ربما غياب العدل أو الاحتياج للإثارة أو الانتقام من الأخرين الذين يراهم يحصلون على حقوق أكثر من اللازم، أو قد يفكر في سرقتهم تحقيراً لشأنهم؟ أسباب كثيرة لهذه العادة السيئة التي أصبحت منتشرة الآن في كرة القدم المصرية المملة.
 
فهناك مثلاً نادياً ذو تاريخاً كبيراً غاب لفترة عن البطولات حتى كاد يختنق من الأزمات، لكنه عاد بفضل تدفق أموال انشقت عنها الأرض بلا مصدر صريح بعد أن تسلمته إدارة جديدة، فعاد للبطولات واحتفلت جماهيره بإنجازات كان من المستحيل أن تحدث في الأعوام الماضية.
 
تحول لاعبي هذا النادي الذين كانوا مغمورين إلى أبطال ونجوم مفضلين للجماهير والإعلام، ورغم أن رئيس ناديهم أكثر منهم شهرة وثراءً لكن دافع الكليبتومانيا حركه تجاههم ليبدو مثل أحد أباطرة روما الذين يتلذذون برؤية العبيد يمزقون بعضهم، فخرج في وسائل الإعلام يتهم لاعبيه "أبطاله" بالسلوك السيء ويضربهم ببعضهم ويضرب الإعلاميين بهم، ويتحدث عن إنجازاته وكيف نجح في "لملمتهم" من الأندية الدُنيا إلى نادي قمة ليصنع منهم أبطالاً.
 
فينجح في سرقة مزيد من الأضواء ومزيد من الاحترام من الإعلام الذي هو في الأصل خوف شديد ويمارس كليبتومانيته بمهارة شديدة، دون أن يجرؤ أحدهم "الإعلاميين" في مصارحته بالحقيقة ، و"أحدهم" هنا مثل أحدهم في سيناريوهات السينما "الكومبارس" لا تهم أسمائهم، فما فائدة الأسماء إذا كان الجميع متشابهون؟
 
الاستنساخ الذي حدث لهذا الطفل جعل المرض ينتشر في الملاعب فتجد حكاماً يمارسون هوس السرقة غير المبررة أثناء المباريات، وتجد بعضهم لا يتوارون عن سرقة مجهود فريق كامل عسكر أفراده بعيدين عن ذويهم لأيام وقضو عشرات الساعات من أجل لحظة رائعة تم سرقتها منهم بمنتهى الشهوانية لهذا الطفل الذي أصبح يتلذذ بهوايته البغضية.
 
في نفس الملعب قد تجد لاعباً يلعب لنادي كبير ذو تاريخ عظيم أمام فريق عادي أو أقل من العادي، وفريقه العظيم لا يحتاج إلى مزيد من البطولات أو النقاط أو الانتصارات إلا أنه يمارس الكليبتومانية بالسقوط في منطقة الجزاء وفي كل أرجاء الملعب مطالباً بأخطاء مسروقة ليرضي شهوته.
 
خلف الخطوط البيضاء في المستطيل الأخضر أيضاً هناك مدربون يمارسون هذه الهواية المرَضية ويتركون اللاعب الذي ينهي كل تمرين مُنهكاً بعد أن قدم كل ما لديه من قدرات بدنية وفنية لإقناع مدربه الذي يسرق كل هذا في لمح البصر بمنح الفرصة للاعب أخر أقرب إلى قلبه.
 
هذا المدرب الذي يقوم بتدريب نادياً صغيراً يقوم بمجهود كبير بإمكانيات معدومة وينجح في تحقيق نتائج غير متوقعة مع فريقه المُهمّش ويتفوق على مدربين الأندية الكبرى، يجد الإعلام يمارس نفس العادة السيئة معه ويسرق مجهوده دون حاجة لذلك سواء بالتجاهل أو بالحديث عن الذين تفوق عليهم وكأنهم أبطالاً وهم الذين تفوقوا.
 
الأمر أشبه بمرض "الزومبي" في الأفلام الهوليودية ينتشر بنفس السرعة وأثاره مُرعبة بذات الدرجة، وعلاجه صعب جداً لأن المصل موجود ولكنه تناوله صعب، لأنه لا أحد أصلاً يعترف بمرضه، الجميع ينظرون في مرآتهم بنظرة الرضا دون أن تسقط مطرقة الضمير فوق رأسهم مُعاتبة، لكن الحقيقة أنهم كلهم لصوص.

لمناقشة الكاتب عبر تويتر اضغط هنا

لمناقشة الكاتب عبر فيسبوك اضغط هنا

الإحصائيات

جميع الإحصائيات

إعلان

أخبار تهمك

التعليقات

تطبيق يلا كورة

تابع الأحــداث الرياضيــة و حــمــل التطبـيق الآن