جميع المباريات

إعلان

هل من منافس؟

عبد القادر سعيد

عبد القادر سعيد

ربت على كتفي في هدوء ثم ارتسمت على وجهه نصف ابتسامة، حاول أن يقول شيئاً ثم تراجع قبل أن يتهدج صوته وعيناه تهربان من التعامد على مرمى بصري وهو يقول :"انت بره القايمة الموسم الجاي"، وبعدها حل صمت مطبق.

فكرت أن اتضرع  إليه وأطلب منه الفرصة التي استحقها، لكني تراجعت، رددت بشيء لا أتذكره كشكر أو وداع وتلاشيت بخطوات للوراء ثم استدرت واختفيت من أمامه وسلكت طريقي البطيء نحو بوابة الخروج من النادي.

نظرت إلى اللافتة البدائية القابعة بترابها على البوابة الرئيسية مكتوب عليها "نادي أسكو الرياضي" وبجوارها رأس نفرتيتي التي اتخذوها شعاراً، وفي ظل غليان غضبي خرجت من أعماقي ضحكة فائرة رسمت ابتسامة حقيقية على وجههي، وقلت لنفسي هم لا يعرفون حتى كيف يكتبون الهمزة في اسم ناديهم وحتماً لا يعرفون من هي نفرتيتي هذه، فماذا كنت أنتظر في هذا المنفى؟

هجعت عزيمتي عندما سمعت غمغمة وهمهمة دائرة عني من موظفي الأمن الإداري الذين كانوا أخر شيء أراه وأنا أنظر خلفي واندثر بعيداً عن البوابة، مشيت لساعات لا أعرف إلى أي وجهة أقدم، كنت أفكر فقط في طريقة لرفض هذا الخروج المُهين، تذكرت أن هناك لاعبون كثيرون مثلي، ربما عشرات، أعرف منهم على الأقل عشرة وهذا عدد قابل للزيادة في موسم إعدامات أغسطس، إذا فهذا هو الحل!

بسرعة شديدة وبحماس جذل ساعدني زملائي المستبعدين من أندية الأهلي والسكة الحديد والمقاولون وإسكو وغيرها في تشكيل قائمة مكونة من 23 لاعب حر، لكن أين هو النادي الذي يمثلونه أساساً؟، بسيطة!، ذهبنا إلى اتحاد الكرة وقمنا بأولى إجراءات تأسيس نادي يشارك في دوري الدرجة الرابعة، استأجرنا ملعب بألف وخمسمائة جنيه شهرياً وتكبد الـ23 لاعب -التائهين الباحثين عن طريق أخر غير الموت بعيداً عن العشب الأخضر- كل التكاليف.

بدأنا العمل، الجميع كان في حالة رائعة، لكننا هُزمنا في الودية الأولى 7/0، يا له من أمر محبط، تداركنا الأخطاء وتعاقدنا مع مدرب بمائتي جنيه في الشهر لكنه كان صورياً يحضر في المباريات فقط، في الودية الثانية خسرنا 4/0، هذا تحسن كبير!، وفي الثالثة خسرنا 4/3، لأول مرة نسجل ثلاثة أهداف كلها رائعة، لكن حراسة المرمى كانت مأساة!، لم يكن في الفريق سوى حارس واحد تجاوز الخامسة والثلاثين.

زادت التكاليف كثيراً وغالى اتحاد الكرة في شروطه للاندماج في دوري الدرجة الرابعة، نخرت قوانا وابيضت جيوبنا فلم ننجح في الاستمرار، فشلت كل المحاولات الأخرى، طفطفت أجنحتنا، لكننا تعاهدنا أن نلعب مباراة أخيرة ضد أحد فرق الدوري الممتاز ونهزمه، حسناً، لتكن هذه مباراة الاعتزال، وصرنا نبحث، هل من منافس؟ منافس أخير قبل التفتت والشتات المحتوم!

لماذا انتشل هذه القصة مرة أخرى من أعماق أعماقي لأرويها الآن؟ ربما لأن هذا هو موسم حصاد الأحلام للاعبي كرة القدم، اغتيالها إن جاز التعبير، مئات اللاعبون في مصر ستنتهي علاقتهم بكرة القدم خاصة الناشئين والشباب منهم، ستسود الدنيا في وجوههم وربما يفكر أحدهم في الانتحار.

فبدلاً من أن يكوّن هؤلاء مدينة ديستوبية جديدة إلى جوار العروش السوداء في مصر، بإمكانهم عمل فكرة مشابهة لهذه التي رويت عنها، وحتى لو لم تنجح سيشعرون بفخر وخروج من الباب الملكي بدلاً من الإهانة التي يشعرون بها عند توجيه الطرد لهم وليس الشكر.

أنا اللي بالأمر المُحال اغتوى
شفت القمر نطيت لفوق في الهوا
طولته.. مطولتوش، إيه أنا يهمني وليه؟
مادام بالنشوى قلبي ارتوى!
"رباعية صلاح جاهين"

لمناقشة الكاتب عبر تويتر اضغط هنا
لمناقشة الكاتب عبر فيس بوك اضغط هنا

الإحصائيات

جميع الإحصائيات

إعلان

أخبار تهمك

التعليقات

تطبيق يلا كورة

تابع الأحــداث الرياضيــة و حــمــل التطبـيق الآن