الإثنين 15 أغسطس 2011
12:59 ص
أظن أنه ليس هناك ما يمنع من افتتاحية سينمائية لكلام كروى .. وأنا أود أن أبدا حكاية جديدة من حكايات الكرة فى مصر بعبارة سينمائية قيلت فى أفلام مصرية لا أول لها ولا آخر .. العبارة التى يقولها أى مواطن مصر عائد بعد غياب طويل فيتلفت ويلمج الشوارع ووجوه الناس ثم يتنهد كثيرا قبل أن يؤكد بصوت عميق أن مصر تغيرت كثيرا.
وعلى الرغم من أن الجمهور فى الصالة غالبا لا يصدق أن هناك أى تغيير حقيقى يجرى فى بلادهم إلا أن السينمائيين يحبون دائما ترديد هذه العبارة .. لكن تبقى كرة القدم على العكس تماما .. فلا شىء يتغير .. وإذا كان الكثيرون منا تابعوا طيلة الأسابيع وربما الشهور الماضية أزمات متتالية لنادى الترسانة ورئيسه حسن فريد والصدام مع اتحاد الكرة بسبب عدم تطبيق المادة 18 التى يأمل معها حسن فريد فى عودة الترسانة لدورى الأضواء .. ومحاولات رئيس الترسانة استقطاب كثير من الأندية لتأييده فى حربه ضد اتحاد الكرة .. أو تابع الكثيرون أيضا صخب نادى الاتحاد السكندرى وإدارته ومسئوليه وجماهيره لأنهم يرفضون الهبوط إلى الدرجة الثانية .. فإن مصر عاشت بالضبط نفس هذا السيناريو الكروى ولكن عام 1922 بالنسبة لنادى الاتحاد وعام 1924 بالنسبة لنادى الترسانة .. وحين أتوقف أمام تفاصيل السيناريو القديم وأقارن بينها وبين السيناريو الجديد .. لا أجد أى فارق على الإطلاق .. وهو ما يعنى أنه لا شىء فى مصر يتغير .. على الأقل فى خريطتها الكروية واتحادها وأنديتها وحروبها وصراعاتها ومبارياتها.
وأود التوقف الآن أمام أول ثلاث سنوات عاشها الاتحاد المصري لكرة القدم ما بين عام 1921 حين تأسس الاتحاد وعام 1924 حين شارك الاتحاد فى أول بطولة رسمية وكانت دورة الأوليمبية وبعدما نال الاتحاد المصري الجديد اعتراف الفيفا به عام 1923 رغم أنف الإنجليز والخواجات فى مصر.
وهى ثلاث سنوات حافلة بالحكايات والوقائع والقرارات والأخطاء التى ربما لا تزال قائمة حتى الآن ولا تزال الكرة المصرية تدفع ثمنها حتى اليوم خللا واضطرابا وارتباكا .. وقد سبق أن أشرت إلى مقدمات ودواعى وأسباب تأسيس هذا الاتحاد .. والأندية التى أسسته والرجال الذين أداروه فى أولى لحظاته.
وكتبت عن أولى بطولاته الرسمية التى كانت بطولة التفوق لنيل كأس الأمير فاروق وتغير اسمها فيما بعد إلى بطولة كأس الأمير ثم الملك فاروق قبل أن تصبح بطولة كأس مصر .. وأيضا بطولة الدورى وكيف جرى تقسيمها إلى بطولة للمناطق الجغرافية .. القاهرة والإسكندرية والوجه البحرى والقناة .. وكان من المفترض أن تقام دورة بين أبطال المناطق الأربعة لتحديد بطل الدورى فى مصر منذ عام 1923 .. إلا أن الاتحاد الجديد رأى أن تلك الدورة تضييعا للوقت وإهدار للمال القليل الذى يملكه الاتحاد .. فأقوى ناديين فى مصر هما الأهلي والزمالك .. والاثنان يلعبان فى منطقة القاهرة.
إذن لا داعى لأى دورات إضافية ويمكن الاكتفاء بمنطقة القاهرة ويصبح بطلها هو بطل الدوري فى مصر .. وكان ذلك يعنى .. ومنذ أول يوم .. أن الكرة فى مصر هى القاهرة فقط .. هى الأهلي والزمالك وحدهما .. فالصعيد كله ليس موجودا أيضا على الساحة الكروية أو داخل دوائر الضوء والاهتمام .. واندية الإسكندرية والقناة والدلتا كلها من حقها فقط أن تلعب .. ولكنه ليس مسموحا لأى ناد منها أن يحلم ببطولة الدوري المصري ولا حتى أن ينافس عليها الأهلي والزمالك.
وقد كان هذا هو ما جرى بالفعل .. فبطولة دورى المناطق التى بدأت عام 1923 واستمرت حتى عام 1953 أى بعد خمسة أعوام على انطلاق بطولة الدورى العام .. لم تشهد ناديا يفوز بها غير الأهلى والزمالك إلا ثلاث مرات فقط .. السكة الحديد عامى 1924 و1926 والترسانة عام 1933 .. وفيما عدا ذلك فاز بها الأهلى خمسة عشر مرة والزمالك ثلاثة عشر مرة.
ولكنني أتوقف الآن أمام ما جرى عام 1922 .. وبالتحديد قبل أن يبدأ أول موسم لبطولة الدورى فى مصر .. فالاتحاد المصرى أعلن تصنيف الأندية المصرية وتقسيمها إلى أندية درجة أولى وأندية أخرى درجة ثانية .. وفوجىء الاتحاد السكندرى بأن اتحاد كرة القدم يضعه بين أندية الدرجة الثانية .. فلم يقبلوا ذلك .. وأرسلوا شكوى رسمية إلى القاهرة كانت أول شكوى فى تاريخ الاتحاد المصرى لكرة القدم.
رفض مسئولو الاتحاد وجماهيره أن يكونوا درجة ثانية أو أن يلعبوا فى الدرجة الثانية .. قالوا أنه مستحيل أن يكون الاتحاد فى الدرجة الثانية لأن هذا إهانة لتاريخ النادى وجماهيره الكبيرة فى الإسكندرية .. وأرجوكم أن تلاحظوا أنه ليس هناك أى فارق فى اللغة أو المفردات المستخدمة بين عام 1922 وعام 2011.
وتحولت شكوى الاتحاد السكندرى داخل اتحاد الكرة عام 1922 إلى قضية شائكة .. وبات هناك كثيرون يشعرون بالتعاطف مع هذا النادى السكندرى ويرفضون مثل جماهيره أن يلعب فى الدرجة الثانية .. سواء من باب الاحترام لهذه الجماهير أو تقدير حكاية نادى الاتحاد نفسه .. فهذا النادى الذى تأسس عام 1914 .. كان فى حقيقة الأمر اتحادا بين عدد من الأندية الصغيرة أهمها نادى الحديثة الذى اسسه توفيق الحدينى عام 1908 .. وونادى الأبطال المتحدة الذى أسسه الشقيقان عبده وشكرى الحمامى عام 1910 .. وأندية وفرق أخرى صغيرة جدا فى الإسكندرية اجتمعت كلها ضد الاحتلال وضد سيطرة الأجانب والغرباء على مصر السياسية والاقنصادية والاجتماعية والكروية أيضا.
وجاءت اللحظة التى رأى فيها الجميع ضرورة انصهارهم فى فريق واحد قوى يواجه فرق الإنجليز فى ملاعب الإسكندرية ويجتمع حوله أهل الإسكندرية الرافضين لأى سيطرة للغرباء والأجانب .. وهو ما جرى بالفعل عام 1914 وتأسس النادى الجديد بإسم الاتحاد السكندرى .. وكان أول نادى يتحالف مع القاهرة وأنديتها ضد الإنجليز ويسهم بنجومه ومسئوليه فى زيادة شعبية الكرة المصرية.
وحتى حين قرر الأوليمبى أن ينضم إلى الاتحاد المختلط ضد الاتحاد المصرى .. أرسل مسئولو الاتحاد السكندرى رسالة إلى القاهرة يؤكدون فيها أن الإسكندرية كلها معهم ولن تسفر خيانة الأوليمبى عن أى تغيير .. وربما من أجل ذلك أحس هؤلاء المسئولون عام 1922 أن لهم رصيدا تاريخيا وإنسانيا يمنعهم من الهبوط أبدا للدرجة الثانية.
والمثير فى الأمر أن اتحاد الكرة استجاب لشكوى الاتحاد .. تماما مثلما جرى عام 2011 .. وعاد الاتحاد للدرجة الأولى .. ومن يومها والاتحاد ليس مشغولا بإصلاح أحواله وأموره .. يبقى فقط ينتظر الأزمة حتى تقع فيبدأ بعدها الصراخ والحديث الحزين والغاضب عن التاريخ والدور السياسى والكروى والقديم وعن جماهير الإسكندرية التى لا تستحق أن يلعب ناديها فى الدرجة الثانية.
أما نادى الترسانة .. الذى أسسه الخواجة الإنجليزى مستر سلاوتر .. مدير الورش الأميرية التى كانت تعرف بإسم الترسانة .. فأطلق سلاوتر على النادى الجديد نفس الإسم .. الترسانة .. وكان من أوائل الأندية المصرية التى فكرت واجتمعت لتأسيس الاتحاد المصرى لكرة القدم .. وكان من الأندية القوية أيضا .. فاز بكأس الأمير فاروق أو كأس مصر عام 1923 ونافس كثيرا على بطولة دورى القاهرة.
وقد كان المستر سلاوتر رئيس النادى هو رئيس أول لجنة تم تشكيلها لإدارة بطولة دورى المناطق .. وكان رجلا بالغ الذكاء .. نجح فى أن يصنع شعبية حقيقية لنادى الترسانة رغم حداثة تكوينه .. فقد قام بإطلاق شعار الترسانة ناديا يمثل كل عمال مصر البسطاء .. يلعب بإسم كل المنسيين والمنفيين من دوائر تشجيع الأهلى والزمالك.
وبالفعل باتت للترسانة شعبيته وجماهيره التى تسير وراءه فى أى مكان .. كان المستر سلاوتر أيضا هو أول من قال لا لسطوة الأهلى والزمالك .. كان الرجل يرى أن الناديين أصبحا اختصارا لكل الكرة فى مصر .. هما الاتحاد وهما الأبطال وهما أصحاب الشعبية والجماهير والنفوذ واللاعبين الكبار .. وقرر سلاوتر أن يقاوم كل ذلك .. ومثلما حاول حسن فريد كثيرا فى الفترة الأخيرة تجميع الأندية الصغيرة ضد اتحاد الكرة .. سبقه المستر سلاوتر وحاول عام 1924 تجميع الأندية الصغيرة فى مختلف الأقاليم للتمرد على اتحاد الكرة الذة لا يعرف ولا يحترم ولا يخشى ولا يهتم إلا بالأهلى والزمالك.
وبدأ سلاوتر بالفعل يجتمع مع مسئولى هذه الأندية .. بدأ من ناحية أخرى يحارب وحده احيانا ومع القليلين أحيانا أخرى ليصبح لكل هذه الأندية الصغيرة أصواتا فى الجمعية العمومية لاتحاد الكرة وفى أى انتخابات .. وكاد سلاوتر ينجح بالفعل فى ثورته .. لكنه انكسر وخسر حين فوجىء بكثير من تلك الأندية لا تحلم بأى مساواة بينها وبين الأهلى والزمالك .. فبات من الصعب جدا أن تقنع أحدا بشىء هو نفسه فى داخله غير مقتنع به .. فانتهت الحرب قبل أن تبدأ .. وانتهى سلاوتر .. وبقى الترسانة مجرد ناد من أندية كومبارس الكرة المصرية .. ولم يبقى فى حقيقة الأمر وحتى اليوم .. إلا الأهلى والزمالك.