الإثنين 16 يناير 2017
05:27 م
حرائق كثيفة وسحابات سوداء شكلّها الدخان القاتم الذي حاول إخفاء الوجوه الهائمة والأعين الزجاجية التي تعكس الصورة الكئيبة فقط، وكأنها مجرد مرآة لا ترى السقوط المُروّع لمدينة تدمر.
أعقب ذلك في عام 273 ميلادية مذبحة ميدانية للفلاسفة الذين كانت الملكة زنوبيا تعتمد عليهم في إدارة تدمر السورية، ذُبحوا جميعاً في حِمص بواسطة الإمبراطور الروماني المجرم أورليانوس، لأن سلاحهم الكلامي كان يطلق عيارات من نوعية القوة والعدل والدين والإنسانية والحرب والأخلاق، هذه العيارات التي تصيب الجائرون بالهياج وتجعل لعابهم يسيل، وتدفعهم لتريُق الدماء.
وقتها كانت الفلسفة جريمة، التفوه بالكلمات غير الملائمة للبيئة وللزمان الذي تعيش فيه كان عقابه ضرب الرقاب، هل يشبه هذا ما يحدث من أباطرة البريميرليج ضد الفلاسفة الذين اقتحموه في صيف 2016؟
أربعة فلاسفة هبطوا على الأراضي الإنجليزية تشكلوا في صورة إنسان رأسه صلعاء تبدو طبيعية لكنها مُرصعة بأرواح الفلاسفة، أولهم رصيعة هولندية اسمها يوهان كرويف، وثانيها رصيعة أرجنتينية اسمها مارسيلو بيليسا، والثالثة أسبانية متصلة بشريان مباشر إلى القلب واسمها خوان ليلو.
حمل جوارديولا في قلبه وعقله أرواح الفلاسفة الذين يعتبرهم أساتذته في تغيير ملامح ووجه وماهية كرة القدم، وراح إلى مدينة مانشستر التي تمخضت في القرن الثامن عشر لتلد جون دالتون مكتشف الذرة، وبدأ يتمتم بكلمات غير مفهومة.
"لن أغير أسلوبي أبداً، حارس المرمى يجب أن يصنع الهجمة ويوزع الكرة بقدمه لا بيديه"، ما هذا الهُراء الذي يقوله جوارديولا، إنه يظن نفسه لا زال إمبراطور كتالونيا الذي يتفلسف في برجه العاجي ثم يرسل ابنه الفضائي ميسي ليعاقب كل من يعارضه.
أحب هذه الطريقة التي يلعب بها، الجرأة والتمسك بالفكرة وتحمل العواقب، والاندفاع بأقصى سرعة لتحقيق الأهداف دون النظر للخلف، لكن أباطرة البريميرليج لا يحبونها، إنهم لا يحبون من لا يحترمهم، كيف يريد الفيلسوف أن يلعب ضدهم بمدافع واحد معظم أوقات المباراة؟ كيف يستهتر بهم لدرجة أنه يشرك الظهير الأيمن زباليتا "34 سنة" كلاعب وسط، وكولاروف الظهير الأيسر "31 سنة" كقلب دفاع، كيف يلعب سانيا "33 سنة" أمام برافو.
كيف وكيف وكيف.. ماذا تفعل يا بيب؟ استيقظ فوراً، أنت لم تعد في ميونيخ الآن، أرجوك لا تكشف ظهرك هكذا فهنا لا توجد أندية مألوفة، هنا أباطرة وسِباع لهم مخالب وأنياب، لا تنخدع حتى لو بدوا شائخين أصابهم الوهن أمام الآخرين، فعندما لا تحترمهم هكذا ستحفزهم على استعمال أسلحتهم ولن تستفيق إلا برائحة دمائك.
لم يسمع بيب النصائح، لقد سقط في ليستر أمام الذئاب الزرقاء، خسر برباعية!، لم يتعلم ولم يحترم إيفرتون أمام شعبه في جوديسون بارك فخسر برباعية أخرى!، ما هذا يا بيب؟ منذ متى وأنت تُهان بهذه الطريقة.
أباطرة البريميرليج رفضوا الفلسفة، رفضو التغيير، إنهم هناك لا يثورون من أجل الجمال الذي تبحث عنه، إنهم يتقاتلون من أجل المادة حتى يلمسونها بأيديهم لا يتفلسفون ولا يعتمدون على أفكار غير ملموسة، لقد ذبحوك أكثر من مرة أنت وفلاسفتك "الأساتذة" الذين تحملهم في رأسك الصلعاء الذي لحسن حظك لن تشيب هنا.
لحسن حظك أيضاً أن الذبح مرة أو مرتين أو ثلاثة لا يكفي لقتلك، أرواح الفلاسفة في عقلك المتصلة بقلبك تمدك دائماً بإكسير الحياة، لكن الندبات في جسدك من مخالبهم وأنيابهم تتسع وتجعل قواك تنخر، عليك أن تعترف أنك آيل للسقوط، إنهم ينتظرون لحظة ارتطام رأسك بالأرض وتطاير الرصائع منها.. تفادي الذبحة الأخيرة وإفعل شيئاً لأجلك ولأجلنا، لأجل الجمال المفقود على العُشب الأخضر الذي أصبح يستمد لونه من العملة بدلاً من جمال الطبيعة.
لمناقشة الكاتب على تويتر اضغط هنا
لمناقشة الكاتب على فيس بوك اضغط هنا