الإثنين 5 مارس 2018
05:25 م
بعد أن قطنا في قلعة الجزيرة لسنوات وسنوات، عاشا خلالها أفراح كثيرة وأتراح نادرة، بدءا يفكران في النهاية المحتومة، لكنهما قبل أن يستسلما لأحكام القدر، نظرا إلى مستقبلهما بعد التقاعد، ويبدو أنهما استقرا على استبدال جزيرة وسط القاهرة بأخرى على شاطئ المتوسط أو الأحمر.. أو المحيط!
عبد الله السعيد الذي يسير في عامه الـ(33)، وفتحي الذي يتجه نحو إتمام عامه الـ(34)، يعرفان جيداً أن المسيرة اقتربت من التوقف قسرياً، ربما بعد عامين أو ثلاثة يضطران للتقاعد ووضع حداً لمشوارهما الحافل في ملاعب العُشب الأخضر الذي يستمدان منه إكسير حياتهما، ويكسبان من فوقه عيشهما.
وعندما يقترب الإنسان من خط النهاية، يبدأ التوتر والارتباك، البعض يلجأ إلى محاولات تقتير والأخر يُسرف ويصرف كل ما لديه للاستمتاع بأخر لحظاته، الوضع هنا يختلف قليلاً، فنهاية المشوار في الملاعب أشبه بموت صغير لكل اللاعبين خاصة الذين يتمتعون منهم بأكبر شهرة ممكنة وأعلى الرواتب.
السعيد وفتحي كلاهما يرغبان في ملء خزائنهما بعشرات الملايين في أخر محطة، لأنهما لا يعرفان مصيرهما بعد التقاعد، هل سيجدان عملاً يمنحهما نفس الراتب؟ نصفه؟ أو حتى ربعه؟ أم أنهما سيجدان عملاً تلفزيونياً أو تدريبياً يتحصلان من ورائه على أقل من عُشر راتبهما كلاعبين؟
كل هذا يدفع ثنائي الأهلي الدولي للخلاص من قلعة الجزيرة، البحث عن بئر بترول خليجي أو مصرف أوروبي ليحصِّلان بضعة ملايين من الورق الأخضر، على الأقل سيضمنان البقاء في نفس المستوى دون تأثر حتى تحين النهاية الأكبر لمسيرتهما في الحياة.
الأهلي لن يدفع 5 ملايين دولار راتباً لكل منهما، ولا حتى نصف هذا المبلغ المُقدر بـ(50 مليون جنيه مصري تقريباً)، إذاً فلا بديل عن الخلاص من الجزيرة والبحث عن منهل أخر للعملة الخضراء التي تحكم العالم وتتحكم في العوام.
ستيفين كينج كتب رواية مُشابهة لهذا الموقف، تحولت إلى فيلم عام 1994، "الخلاص من شاوشانك"، البطلان كان في سجن يحاولان الخروج منه لتحقيق أحلامهما في نهاية عمرهما التي تتلخص في العيش بحرية ورغد، يقضيانه في مشروع السفن القديمة والفندق الذي يملكانه على شاطئ المُحيط الهادئ.
هذا ما يُفكر فيه بالفعل كل شخص عندما يقترب من النهاية، لا يُفكر سوى في كيفية قضاء أيامه الأخيرة، أو حياته الثانية بعد أن تنتهي الأولى، فلكل منا حيوات كثيرة مقسمة ما بين فترات الطفولة والشباب والفحولة والشيخوخة المتبوعة بالأمراض المؤدية للحياة البرزخية.
من حق السعيد وفتحي أن يفكرا في حياتهما بعد الاعتزال، من حقهما أن يحلما بمائة مليون جنيه في العقد الأخير لهما قبل خلع أحذيتهما المدببة من أسفل والانزواء بعيداً عن العُشب الأخضر، لكن اختيارهما التأمين المالي المثالي لهما يجعلهما مضطران لدفع ضريبة باهظة الثمن تؤخذ من رصيد الحب والاحترام لهما عند الجماهير الحمراء.
الجماهير التي أغلبها من الطبقات الكادحة والمتوسطة (كعموم المصريين) لا تُفكر في الملايين ولا تعرف هيئتها وتأثيرها على حياة الفرد، إنهم يفكرون فقط في الانتماء لقميص غنوا لأجله ومات بعضهم لأجله، فرحوا وحزنوا وانتعشوا وأحبطوا وعاشوا كل الحالات معه.
إذا اختار السعيد وفتحي الخلاص من جزيرة الأهلي الحاكمة في مصر، والبحث عن جزيرة عائمة على البترول والعملات الخضراء، فسيفقدان السواد الأعظم من دعم وحب الجماهير الحمراء التي تمثل النسبة الأكبر من الشعب المصري، لكنهما سينعمان بحياة هادئة على شواطئ البحار والمُحيطات وبأصفار كثيرة في حساباتهما البنكية تعينهما على أسفار الحياة الجديدة التي سعيا إليها.
أما إذا اختار ثنائي الأهلي البقاء في الجزيرة والقبول ببضعة ملايين مصرية تعاني من هبوط حاد في قيمتها مقارنة بالملايين الخضراء، فإن الفارق بين العملتين هو ثمن شراء الحياة الأكثر استقراراً وهدوئاً في قلب المدينة وسط الجماهير المُحبة، وثمن عدم قطع حالة العشق والجوى بين جدران وأراضي وأشجار جزيرة الأهلي وأبنائها المُخلصين، فلهما الاختيار ولجماهيرهما القرار.
لمناقشة الكاتب عبر تويتر اضغط هنا، أو فيس بوك اضغط هنا