الساعة تقترب من السابعة عشرة وخمسين دقيقة بتوقيت جريينتش ، اتصال هاتفي من رقم كان ينتظره البطل علي أحر من الجمر ، يمسك الفتي الشاب هاتفه وهو يبتسم بهدوء كما إعتاد وعيناه اعتادت أن تلمع كلما اقترب من شيء يحلم به أو بالأحرى يستطيع تحقيقه .
يظل رنين الهاتف مستمرا ولا زال الشاب ذو اللحية الجميلة والملامح البسيطة يمسك بهاتفه وكأنه يريد أن يظل هذا الرنين كجرس انتصار علي كل ما واجهه من قبل .
لا يريد أن يجعل رنين هاتفه يتوقف فهو يعرف جيدا ما سيقوله الطرف الأخر ، لقد حانت لحظة الانتقال إلي مستوي أخر هكذا إعتاد .
الكل يعرف ما جري هنا وما جري هناك ، لم أعتاد أن أتقمص الشخصيات التي ترغب في جذب الإعلام إليها ، سأوفر تلك الطاقة المبذولة خارج الميدان لأفجرها بعنف داخل تلك المساحة الخضراء في كل مرة تطأ فيها قدمي الملعب .
أريد أن أري الأن وجه هذا الصحفي الذي سخر من تسديدتي في كأس الرابطة ، من المدرب الذي خدعني كي أوقع معه ثم أشركني في الدقيقة 90 كي ادرك هدف الفوز ! ، ممن تناسوا أني قدمت أداء جيدا في أول خمسة أشهر منذ قدومي إلي لندن عندما كانت تترك لي الفرصة كي أشارك ، ولكنهم تناسوا كل ذلك وحاسبوني علي فترة الأربعة أشهر الأخيرة التي لم أشارك فيها .
من قالوا أني لا أمتلك كاريزما أو أنني أبدو كفل ، يبدو أنهم اعتادوا رؤية من يقوم الاهتمام بقصات الشعر المختلفة والحركات المبالغ فيها والتصريحات خارج الملعب كي أبدو ذو شخصية مميزة .
وميض الهاتف مازال يضئ فتنعكس أشعته علي وجه البطل البسيط ، تداعبه ابنته الصغيرة وهي تحاول أن تمسك بالهاتف ولكنه يمسك ابنته بهدوء شديد كالذي بات يمتلكه داخل منطقة الجزاء قبل تسجيل الأهداف ، تجري ابنته نحو باب الغرفة ولكنه يفتح لها ذراعيه مرة أخري مثلما إعتاد أن يحتفل فتركض الطفلة الصغيرة بسرعة نحوه مرة أخري .
يقذف ابنته لأعلي وهي تضحك فيتذكر كم هي جميلة ضحكة الأطفال ، يستمتع بها معها فقد كانت طفولته صعبة وتحمل الكثير كي يصل إلي ما هو عليه الأن ، يتذكر كم من مرة نام داخل وسائل المواصلات وقلق والده عليه وكثير من الأمور التي باتت معروفة للجميع .
تخرج طفلته من الغرفة ، يتوقف رنين الهاتف ثم يعود مرة أخري لنفس الرقم من جديد .
وكأن الرحلة تعود مرة أخري إلي بلاد أخري يتذكر تلك التابوهات التي تقال ( لا يصلح لإن هذا الدوري يمتاز بالدفاع ، لا يصلح لإن هذا الدوري يحتاج إلي قوة بدنية ) يتسائل هل أبدو لاعبا للباليه ؟ أم أن ذلك يحتاج لتدريبات إضافية سواء كانت بدنية أو تكتيكية .
عندما يجد سؤالا مستفزا أو رأيا غريبا من مدربه تنقبض عضلات وجه ويبدو غاضبا باقتراب حاجبيه ولكنه يرفض أن يرد إلا في الملعب .
عندما قال عنه مدربه بأنه طفل ، لم ينطق ..تسائل في قرارة نفسه لماذا تعاقدت مع هذا الطفل ، هل نسيت أني هزمتك ذهابا إيابا في دوري الأبطال ام أنك جئت بي إلي هنا كي لا أسجل في فريقك .
سأذهب إلي مدينة هادئة فهي تناسبني في تلك المرحلة ولا أجمل من فلورنسا ، هدف أسطوري في شباك بطل إيطاليا وما قبله وما بعده كان كفيلا بأن يذهب إلي مدينة لديها ملك .
إذا كانت لروما ملكا فانا سأكون أميرها ، يبدو إني سأصطدم بعقبات مختلفة ، فالملك يعامل بطريقة غريبة من قبل المدرب والمدرب نفسه يهاجمني في أوقات ويشيد بي في أوقات أخري ، يظنون أن ذلك ينجح دوما .
ربما يكون ناجحا مع من يتعاملون بتعالي مع البعض ولكني أنا كما انا بسيطا وهادئا ..لماذا يفعلون ذلك ؟
لا بد من التعامل بذكاء يا ( مو ) عندما ترحل يجب أن ترحل بهدوء وتحتفظ بحب الجميع لك ، لقد عاد حلم الطفولة الذي أجهضه وعود البرتغالي قبل أربعة سنوات ولكن لا بأس هناك دائما فرصة للتعويض .
أهداف وأداء مذهل ، شعب بلادي يدعمني ولكن الأن هناك شعب أخر يغني لي ويتغني بإسمي ، لا شك أن ذلك سيثير حفيظة البعض داخل الفريق ، نحن بشر في النهاية لكن علي أن اتعامل بهدوء كما إعتدت .
أوكسليد هل يمكن أن تصنع لي هدفا اليوم ؟ عبارة تبدو بسيطة ولكنها كانت واضحة وحقيقية ( مو ) يطلب وبوضوح مساعدة زملائه له ، بعدما شعر بكابوس رأه في لندن قبل عدة سنوات .
تشعر أحيانا أن البعض لا يساعده ولكن ماذا تكون إرادة الناس أمام إرادة رب الناس ، لا توجد تمريرات في مساحات حسنا سيكون ذلك سببا في أن أسجل أهدافا في مساحات ضيقة بشكل مذهل ومتنوع ، لأصبح ما أنا عليه الأن .
يمسك ( مو ) بالهاتف ليجيب .. تنطلق كلمات من الطرف الأخر : مبروك يا مو أنت افضل لاعب في البريمرليج هذا الموسم بتصويت زملائك .
بعد 72 ساعة .. صلاح هل انت جاهز ؟ سؤال وكيله قبل الذهاب للحفل المنتظر .
لقد حان الوقت كي أثبت أنني لم أفشل هنا ولكن لم يمنحني أحد الفرصة كي يتم الحكم علي بشكل صحيح ، أشكر زملائي وأنا دائما أعمل من اجل الفريق ، لا بد من دعوة قائد الفريق حتي يشعر الجميع أن تتويجي بالجائزة كان بمساندتهم دوما لي .
هذا صحيح أنا أؤمن بذلك لا أحد ينجح بمفرده وإن اكتسب في وقت ما بعض غيرة البشر عليه أن يواجه ذلك بالمودة التي ستتغلب حتما علي ذلك .
رنين الهاتف يدق مرة أخري ولكن في هذه المرة رنين هاتفي .
إنها الثانية عشرة صباحا بتوقيت القاهرة في يوم 23 إبريل يعلن رسميا عن فوز محمد صلاح بجائزة أفضل لاعب في البريمرليج .
كنت دوما أؤمن بك منذ أن كان الجميع يشكك في قدراتك ، لم أسأل يوما هل أنت جاهز للمنافسة في أي مكان ؟ بل كانت إجابتي دوما علي سؤال دوما أي شخص يسأل عن قدرتك علي التألق في مكان ما الاجابة التالية.
هل أنت جاهز لرؤية صلاح يتألق ؟
للتواصل مع الكاتب على الفيس بووك