ما شاهدناه بدا وكأنه يخالف الإجراءات الدولية في صيانة الملاعب، لهذا انتظرنا رئيس هيئة استاد القاهرة في مكتبه ما يقرب من ساعة، حتى سمح لنا بالدخول لمناقشته. منذ الوهلة الأولى، استقبلنا بملامح متأهبة وتحفظ واضح، تزايد تحفظه بمجرد علمه سبب تواجدنا، وتحدثنا معه حول سوء أرضية الملعب، لكنه لم يعترف بذلك في البداية، وأخبرنا أن حالة الملعب في الوقت الراهن أفضل بكثير من أوقات سابقة.

تبادلنا الحديث بشكل ودي، لتعزيز الثقة، ومع مضي الوقت اعترف بظهور ملعب القاهرة في الأيام الماضية بشكل أقل مما بدا عليه خلال فصل الصيف. وأرجع السبب إلى أن الاستاد بني على مستوى منخفض عن سطح الأرض 25 مترا، لذلك تصل إليه البرودة بشكل أكبر، ولحمايته دائما ما يتم تغطيته في فترات المساء وحتى بزوغ الشمس.

تبددت مخاوف رئيس هيئة استاد القاهرة حيالنا بعض الشيء، وكشف لنا ملامح خطة تحسين حالة الملعب، وقال إنهم يفكرون في تغيير أرضية الاستاد مع نهاية الموسم الجاري، عن طريق الاستعانة بشركة عالمية. حاولنا التعرف منه بشكل أكثر تفصيلا عن تكلفة تغيير أرضية ملعب بحجم استاد القاهرة، فأجاب على الفور: "تكلفة تغيير أرضية الملعب بواسطة شركة مصرية في حدود 250 ألف جنيه، أما في حالة الاستعانة بشركة عالمية تستخدم أفضل نوع "نجيلة" فتتكلف 9 ملايين جنيه، وهذا هو الفارق بين المحلي والأجنبي".

لم نكتف بالحديث مع رئيس هيئة استاد القاهرة، ونقلنا تساؤلاتنا إلى المهندس المختص بصيانة الملعب، الذي برر سوء أرضية الملعب باستضافته مباريات 3 فرق هي الأهلي والزمالك والنصر، بالإضافة لإقامة مصر المقاصة مبارياته على الملعب خلال الفترة الأخيرة.

ولم يعف المهندس المختص الشتاء من المسؤولية، حيث يرى أنه خلال فترة الشتاء لا تحصل "النجيلة" على الوقت الكافي للنمو، كما يحدث خلال فصل الصيف، وما يتم استهلاكه من عشب خلال المباريات لا يتم تعويضه.

وأثناء الحديث معه قدم لنا معلومة ربما كانت صادمة بعض الشيء، حيث كشف أن متوسط الساعات التي يتحملها الملعب شهريا هو 40 ساعة في الشهر الواحد ما بين مباريات وتدريبات.

محطتنا التالية، كانت ملعب بتروسبورت ، وعلى مدى ما يقرب من الأربع ساعات رصدنا ما يدور داخل الملعب من عمليات صيانة، تحت إشراف مهندس زراعي، وليس شركة متخصصة، كما هو الحال في استادي برج العرب والقاهرة.

بمعدات حديثة دخل عمال الصيانة لأرض الملعب، أعدادهم لم تتجاوز الـ 8 أفراد، غالبيتهم يقومون برش أرضية الملعب ببعض الرمال لتغطية الأماكن المتهالكة.

يرى خالد يوسف، مدير ملعب بتروسبورت، أن سوء أرضية ملعب بتروسبورت، سببه احتضان الملعب مباريات طوال العام بمعدل 500 ساعة سنويا، بالإضافة لإقامة تدريبات بعض الفرق عليه، وهذا المعدل يعتبر مرتفعاً للغاية والمتوسط هو 200 ساعة فقط سنويا. وقال إن تغيير أرضية الملعب يكلف 300 ألف جنيه.ملعب بتروسبورت لم يتعاقد مع شركة صيانة لرعايته، لكن يشرف عليه مهندس متخصص تم تعيينه من قبل إدارة النادي، تواصلنا معه وشرح لنا كيفية صيانة استاد بتروسبورت.

أرجع المهندس، المسؤول عن ملعب بتروسبورت، تدهور حال أرضية الملعب إلى برودة فصل الشتاء وكثرة إقامة المباريات عليه، وقال: البرد يجعل النبات يتعرض للموت، لذلك يجب دائما تغطية الملعب ليلاً خوفاً من الصقيع.

يقول المثل العربي "ليس من رأى كَمَن سَمع" ؛ لذا سافرنا إلى الإسكندرية لرصد عملية الصيانة بشكل مباشر. كانت طريقة الري المستخدمة تبدو وكأنها طريقة قديمة هجرتها غالبية الدول المقدمة، لكن الملعب ظهر بشكل أفضل من سابقيه، لعدم وقوعه تحت طاولة ضغط المباريات، إلا أنه عانى مثل غيره من ملاعب مصر من مشاكل عدة، بسبب عدم وجود نظام متكامل للحفاظ على المنشآت الرياضية.

شرح لنا شريف سعد، مدير استاد الإسكندرية، ضوابط وشروط الحفاظ على أرضيات الملاعب، وبرر سوء أرضية الملاعب بأن هناك معدل استخدام للملاعب وبالتأكيد لا يطبق في مصر، فملاعب أوروبا لا تقام عليها سوى مباريات بمعدل 200 ساعة سنويا، وهذا ما يجعلها دائما بحالة جيدة.

كان المسؤول عن ملعب الإسكندرية هو أول شخص نقابله يرفض تحميل فصل الشتاء مسؤولية ما وصلت إليه ملاعب مصر، مؤكدا أن الشتاء في الدول الأوروبية أشد بكثير عما نحن فيه، لكن الأزمة تكمن في الضغط الزائد على الملاعب، وعدم وجود وقت كافٍ لإراحة الملاعب.

ووضع "روشتة" علاج لأزمة سوء أرضية الملاعب، أهمها تحديد ملاعب لإقامة مباريات الأهلي والزمالك الإفريقية فقط، بالإضافة أيضا لمباريات منتخب مصر، وتوزيع الملاعب بشكل عادل بين الفرق، لضمان عدم وجود حمل زائد على ملعب دون الآخر.

بدأنا الجولة من استاد القاهرة ، الصرح الرياضي الذي يرجع تاريخ إنشائه لعام 1960، وتصادف وجودنا مع إقامة مباراة الأهلي والمقاصة بالجولة الـ19 بالدوري يوم 21 يناير 2018. عايشنا مراحل الصيانة اليومية للملعب العريق، ورصدنا بعض العمال يستخدمون معدات بدائية وماكينة قص العشب الزائد، ويضعون الرمال في أرضية الملعب، وأخبرونا أنهم يقومون بعملية "تصفيف" النجيلة، لمعالجة الأماكن المتهالكة في أرضية الملعب.

لوائح الاتحاد الدولي:

تعتمد استراتيجية الإنشاء على:

أولا التمويل ويشمل توفير الموارد المالية لتنفيذ ما هو مطلوب، ثم الانتقال لمرحلة أسس تأهيل استاد سليمة، ويكون فيها التمويل محددا، فيمكن أن يكون استادًا تقليديًا بها ويهدف لغرض مؤقتومع ذلك ينبغي الحرص على أن يكون الهيكل قابلًا للتغير والتطوير مستقبلا.وهناك عنصر هام في استراتيجية الإنشاء وهي السعة المطلوبة، وينبغى خلالها عدم الاكتفاء فقط بقدرة النادي على استيعاب الاحتياجات المحلية، لكنها يجب أن تعمل على جذب مباريات بمستوى أعلى.

مرحلة تحديد الموقع:

ينبغي خلال هذه المرحلة أن يكون الاستاد متواجدا في موقع كبير بما يكفي لتوفير مساحات خارجية واسعة وآمنة لتداول ما يعرف بالنشاط العام، وتوفير حيز خارجي يسمح بإمكانية التطوير في المستقبل، وبما أن تلك المواقع تكون غالبا في الضواحي أو منعزلة عن النقل العام، يكون إذا من الضروري أن تكون هناك مساحات كبيرة لاستيعاب السيارات الإضافية المطلوبة.

الأبعاد السليمة لأي ملعب:

يجب أولا أن يكون الملعب على هيئة مستطيل، ويتراوح طوله بين 90 و 120 مترا وعرضه بين 45 و 90 مترا، هذا في الملاعب الرسمية. أما الملاعب الدولية فيجب ألا يقل طول الملعب عن 100 م ولا يزيد على 110 ، والعرض يكون 64 مترا، إذا كان الطول 100 م و75 إذا كان الطول 110.

يجب توفير مساحات إضافية مسطحة لمساحة الملعب الأساسي، للسماح للاعبين بإجراء عمليات الإحماء خلف المرميين.

يجب أيضا توفير مساحة خالية لتوزيع الحكام المساعدين، وموظفي الأمن ووسائل الإعلام والأطقم الطبية تتراوح ما بين 8.5 أمتار على الجانبين.

السؤال الذي طرحناه على أنفسنا بعد رؤية ملعب القاهرة بهذه الحالة، هو: ما تأثير الأرضية على مستوى اللعبة وتعرض اللاعبين لبعض الإصابات؟ وفي هذا الصدد، حاورنا طبيبا مختصا في إصابات الملاعب، هو «أيمن زين»، الذي عمل لفترات طويلة داخل حقل الطب الرياضي، وتحدث معنا عن تأثير الملاعب المصرية على إصابات اللاعبين.


صيانة ملاعب مانشستر

أما على الصعيد العالمي، فيقول سيد فاروق، أحد المسؤولين بنادي مانشستر يونايتد: "صيانة ملعب النادي الإنجليزي، تعتمد على تجريف الملعب وإزالة الأرضية بشكل تام بعد نهاية الموسم، على عكس ما يحدث في مصر، حيث تستمر الأرضية لمدة 6 سنوات، وأحيانا تزيد لتصل لـ 10 أعوام كما هو الحال في ملعب بتروسبورت".

وأوضح أنه يتم حماية أرضية الملعب من البرودة عبر منظومة مكونة من كشافات كهربائية، كالتي تُستخدم في التصوير السينمائي، وتقوم بنفس دور الشمس الطبيعية.

وعن متوسط عدد الساعات التي يتحملها ملعب «أولد ترافورد»، قال المسؤول إن الملعب يستضيف مباريات بمتوسط عدد ساعات يزيد على 80 ساعة سنويا.

    شركة حمزة هي إحدى الشركات المتخصصة في أعمال اللاند سكيب وإنشاء الملاعب الرياضية.

    تأسست شركة حمزة لصيانة الملاعب في عام 1975.

    تتولى الشركة حاليا صيانة أرضية ملعب استاد القاهرة، حيث أسند إليها المهمة قبل عدة سنوات تخللها التجهيز لكأس الأم الأفريقية التي أقيمت بمصر عام 2006.

    تخضع غالبية الملاعب المصرية للصيانة تحت إشراف شركة حمزة، حيث تحتكر صيانة أكثر من 70% من ملاعب الدوري المصري

    تقوم الشركة المتخصصة في أعمال صيانة الملاعب برعاية كل من ملعب برج العرب والإسماعيلية والسلام والماكس بالإسكندرية والجيش بالسويس وغيرها.

    التقينا مجدي حمزة، مدير الشركة والمسؤول عن الإشراف المباشر على ملعب القاهرة، الذي برر تراجع مستوى أرضيات الملاعب في مصر بالحمل الزائد بسبب طول مدة استخدامها، مؤكدًا أن متوسط العمر الافتراضي لأي ملعب في مصر يجب ألا يتعدى الـ6 أعوام، وهذا لا يحدث، حيث إن غالبية ملاعب الدوري مرت عليها سنوات عديدة دون تغيير أرضيتها. وطبقا لتصريحات حمزة، فإن متوسط تكلفة إنشاء أرضية ملعب تتخطى المليون جنيه، مشيرا إلى أن الطريقة الأفضل للحفاظ على الملاعب هي التخلي عن إزالة "النجيل" كل 4 أعوام، وزراعة نجيل بديل.

    بسبب صعوبة دخول ملعب برج العرب ، وتصوير أرضيته، لجأنا إلى صور من الأرشيف ترصد حالة الملعب. الصور التي كانت بحوزتنا أظهرت بعض الندبات في أرضية ملعب برج العرب، خاصة في منطقة الجزاء أمام المرميين، لدرجة أنه ظهرت أماكن كثيرة في الأرضية لم يتوفر بها "النجيل".

    ضحايا سوء أرضية الملاعب

    هاشم الدسوقي، مدرب حراس مرمى نادي النصر القاهري، كان له رأي آخر في سبب تدهور أحوال الملاعب، حيث أكد أن هناك أزمة واضحة في الملاعب بشكل عام بسبب عدم وجود هيئة متخصصة لصيانتها. واعتبر الدسوقي أن غالبية الملاعب في مصر، وعلى رأسها استاد القاهرة أو ملعب برج العرب، بالإضافة لاستاد بتروسبورت، تعاني من نفس المشكلة، ما أدى لظهورها بصورة سيئة خلال الفترة الأخيرة.

    بدت ملاعب الكرة في حالة يرثى لها، لكن هل يمكن ربط الإصابات المتكررة للاعبين بتدهور وضعها؟ محمد مصطفى طبيب فريق النصر، أجاب عن هذا التساؤل. وأوضح لنا أن أغلب الإصابات التي يتعرض لها اللاعبون بسبب أرضية الملعب تتركز في منطقة "الأنكل"، مضيفا: إذا كان الملعب سيئاً للغاية ربما يتعرض اللاعب لإصابة في الركبة، وهذا ما عانى منه عدد من لاعبي الأندية الكبيرة.

    جاء رد اتحاد الكرة، برفض عامر حسين، رئيس لجنة المسابقات بالاتحاد المصري لكرة القدم ، تحميل مجلس الاتحاد السبب وراء سوء أرضية ملاعب الدوري، معللا بأن الأندية صاحبة اليد العليا في اختيار ملاعبها والاتحاد لا يتدخل في إقامة مباراة على ملعب معين، وكشف حسين، عن عدم وجود أي لائحة تشترط توفير اتحاد الكرة لملعب أو القيام بصيانته، وكل هذه الأمور ترجع إلى الأندية، وكان لحازم إمام، عضو مجلس إدارة اتحاد الكرة رأي آخر في هذا المقطع المسجل ..

    ارتبطت ألمانيا دائماً بعلاج إصابات اللاعبين المصريين، لهذا توجّهنا بالسؤال نحو دكتور ماركوس فالتر، المدير الطبي لعيادة "شون ميونيخ هارلاشينغ"، الذي أكد أن الصيانة السيئة، والمخالفات بالملاعب، لها آثار مباشرة على اللاعب، وقد تؤدي إلى حدوث اضطرابات وتوتر في حركة أقدام اللاعبين، وإصابتهم بتمزق الأربطة في الكاحل والركبة، بدرجات متفاوتة، قد تصل إلى التواء الكاحل بشكل شرس، وهي إصابة شائعة في كرة القدم. وأكد أن اللعب على أرض غير مستوية يزيد من خطورة تطور إصابات الكاحل.

    ورأى "وولفهارد سافوي"، رئيس مركز التدريب والعلاج بعيادة "شون ميونيخ هارلاشينغ"، أن استخدام حذاء كرة قدم خاص قد يساعد في التغلب على تدهور مستوى الملاعب الرياضية، إلا أن ذلك لن يكون كافياً لتجنب إصابات الملاعب.

    بالنظر إلى الإصابات التي حدثت خلال الموسم الماضي وجدنا أن فريق سموحة تعرض بمفرده لـ 8 إصابات، منها 3 إصابات حدثت في ملعب واحد. حاورنا أحد الذين تعرضوا لإصابة خلال تواجده في ملعب طنطا، والذي أخبرنا أن أرضية ملاعب الدوري في مصر تلعب دورا رئيسيا في الإصابات التي يتعرض لها اللاعبون، وعن إصابته أمام طنطا أكد أنها لم تكن نتيجة تدخل أحد اللاعبين معه، لكنها كانت بسبب إجهاد خلال محاولته لقطع مسافة طويلة في الملعب.

    لاعب المنصورة السابق والإنتاج الحربي الحالي هو الآخر تعرض للإصابة بقطع في الرباط الصليبي أكثر من مرة.

    تحقيق: علي البهجي

    تصوير و مونتاج: عبد الرحمن علاء

    فيديو جراف: محمود شحاته - أحمد عبدالغني

    تنفيذ: فارس أحمد - أحمد ياسين

    إشراف عام: علاء الغطريفي