جميع المباريات

إعلان

الجمهور الانجليزي "البارد" ومُستنسِخوا "الجرينتا" في مصر

هادي المدني

هادي المدني

ما يميز خاصة البشر عن العوام هو أن الفئة الأولى تنتج أفكار مميزة – هذا لا يعني التميز دائما – تتعرض لها الفئة الثانية وتروق لها فتكررها، أو يعتبرونها صادمة فيوسمونها بالتخلف ويرفضونها ويحاربون أصحابها بكل الطرق التي غالبا من تكون غير منطقية.

جاليليو عندما خرج إلى العالم في القرن السابع عشر وقال أن الأرض كروية أودعه الجهلاء في السجن ثم أجبروه على عدم الحديث إطلاقا بشأن علمه، ثم وضعوه تحت الإقامة الجبرية في منزله إلى أن فقد بصره فسُمح له بالخروج فقط من أجل العلاج، وألا يلتقي أحدا أو يُطبع له كتبا.

على مدار سنوات دائما ما كنت أعتبر أن استنساخ كلمات الآخرين قبح أوسم به نفسي كلما فعلته، والاستنساخ هنا مختلف تماما عن الاستشهاد بمواقف أو كلمات ذكرها أخرون، الاستنساخ هو أن تطبع الكلمة أو الموقف على نفسك وتكررها وتؤمن بها حتى تظن بداخلك أنك منتج تلك الفكرة.

ربط ما قيل في السطور القليلة الماضية ربما يكون مدخلا جيدا وتمهيدا منطقيا لما أحاول أن أذكره في السطور التالية بحثا عن هؤلاء أصحاب العقول التي تحكم عواطفهم لا أصحاب القلوب التي تُسيّر عقولهم، وتقودهم في كثير من الأحيان إلى ظلمة الكراهية ووحشة الصراع اللا منتهي.

في ظل انتشار وسائل التواصل الإجتماعي في السنوات العشر الماضية على وجه التحديد أصبحت عملية استيراد الأفكار والكلمات والتركيبات اللغوية تجارة مزدهرة ورائجة، وأصبح لدى الجميع رفاهية "الانعدام الذاتي" فأنت لست بحاجة لتفكر لأن هذا الشخص الذي تتابع حديثه سيحدد لك ماذا تفعل وماذا تقول.

هذا الأمر جعل لدى جمهور كرة القدم نوعيات جديدة من التصنيف فهناك قائد للفريق، لكن هناك فئة أعلى من كلمة قائد تسمى "كابيتانو" – تعني قائد بالإيطالية- وهناك لاعب يمتلك إصرار لكن هناك فئة أرقى وأعظم تمتلك "جرينتا" –تعني إصرار بالإيطالية-.

تلك الكلمات لم تكن يوما ذات قيمة خاصة، إنما مجرد جهل روج له أشخاص زائفون، واستساغه جهلاء لا يدركون معنى الأشياء بعقولهم إنها يستخدمونها ويستقبلونها بعواطفهم، فهذا يقول كلمة ما لمدح لاعب أحبه إذا هي كلمة رائعة سأكررها دون أن يدرك أنها مجرد كلمة أجنبية لن تمنح اللاعب قيمة خاصة على المستوى الفعلي.

أثناء الحديث مع مشجع انجليزي ينتمى لمانشستر سيتي تطرقنا لحالة الهدوء التي يتسم بها جمهور الفريق في التعامل مع المنافس بالرغم من أنه دائم الحضور في المدرجات ومن أعلى معدلات بيع التذاكر في الدوري الانجليزي بشكل عام، فكان استقباله لرأيي استنكاري بشيء من التعجب وكأنه يقول لي "هل هذا عيبا؟"، ورد باختصار فيه كثير من التميز "نحن لا نذهب للاستاد لأننا نكره المنافس، نحن نذهب لأننا نشجع نادينا."

أنا الذي احببت مانشستر سيتي من الأساس بسبب جمهوره الهادئ الذي لا يخرب ولا يهتف حتى بكلمات خارجة عن النص، كنت اتعرض للوم من جانب البعض لأنني أشجع فريق بلا جماهير بالرغم من أن ملعبه الذي يسع لـ55 ألف مشجع يحضر له متوسط يزيد عن 54 ألف مشجع في كل مباراة.

هذه ليست فقط سمة جمهور مانشستر سيتي، لكنها سمة أصبحت عادة لدى جماهير انجلترا بشكل عام بفضل السياسة المثالية التي وُضعت من جانب الأمن والدولة والأندية ولا يستطيع أحد الخروج عنها وإلا سيكون العقاب في انتظاره.

أحد المواقف التي أذهلتني كانت في 2011 عندما إلتقى مانشستر سيتي بمانشستر يونايتد في أولد ترافورد وحين كان الضيوف أصحاب القمصان السماوية متقدمين في النتيجة 5-1 ووسط 75 ألف مشجع من أصحاب الأرض تهتف المجموعة القليلة من جماهير سيتي التي سُمح لها بحضور المباراة قائلة "نريد الهدف السادس" فيفعلها دجيكو ويسجله فلم يكن هناك رد من جانب حضور مسرح الأحلام سوى الصمت وإبتلاع مرارة الهزيمة.

كل هذا الحديث فقط من أجل توثيق وجهة نظر وحقيقة وهي أن من يروج في مصر لأن كرة القدم أكثر من مجرد "لعبة" سواء كان هؤلاء جماهير أو أي عنصر من عناصر الصناعة كثر عددهم أو قل مجرد "مُستنسِخون" أمتعتهم روح الكراهية لا التنافس، فباتوا يروجون لأفكار هدامة تضغط على مشاعر البعض.

أمنيتى التي أحلم بها أن يكون لدينا في مصر جمهور مصري "بارد" مثل الانجليزي، ودوري مصري "حماسي" مثل الانجليزي، وليذهب عشاق "الجرينتا" و"الكابيتانو" للاستمتاع في الجحيم.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

أخبار تهمك

التعليقات

تطبيق يلا كورة

تابع الأحــداث الرياضيــة و حــمــل التطبـيق الآن