الثلاثاء 3 يونيو 2025
09:52 م
يفتح ريال مدريد صفحة جديدة في تاريخه حيث سيتولى قيادة الفصل القادم من مسيرة النادي أحد أبرز أساطير خط الوسط، تشابي ألونسو، الذي يعود إلى سانتياجو برنابيو مديرًا فنيًا للفريق في لحظة حساسة ومشحونة بالتوتر، بعد موسم مخيب للآمال.
الكلاسيكو: نتيجة تُخدع، وأداء يكشف المستور
الهزيمة 4-3 أمام برشلونة في الجولة 35 ستُسجل في التاريخ كإحدى المباريات المثيرة والمليئة بالأهداف لكن لمن تابعها عن كثب، فإن النتيجة النهائية غطت على حقيقة أكثر قسوة:(برشلونة تفوق على ريال مدريد من الناحية التكتيكية والبدنية في كل جانب من جوانب اللقاء تقريبًا).
تقدم ريال مدريد مبكرًا بنتيجة 2-0 بفضل براعة كيليان مبابي، الذي أضاف هدفًا رائعًا رفع رصيده إلى 39 هدفًا هذا الموسم، محطمًا الرقم القياسي في أول موسم له مع الفريق، ومتجاوزًا رقم إيفان زامورانو البالغ 37 هدفًا ومع ذلك، ورغم تألق مبابي، بدأت الفجوات التكتيكية تتسع مع تقدم المباراة.
اعتمد برشلونة ضغطًا عاليًا خانقًا منذ البداية، قطع به قنوات اللعب المركزية، مع اندفاع الأظهرة لإغلاق الخيارات الجانبية. ثلاثي وسط برشلونة — بيدري، أولمو، ودي يونج — أرهق محور وسط مدريد (تشواميني وسيبايوس) بتمركزهم الدقيق واستعادتهم السريعة للكرة. وعلى الأطراف، انهارت بنية ريال مدريد بالكامل: لوكاس فاسكيز اندفع للأمام بلا دعم متزامن، بينما أخفق فينيسيوس جونيور مرارًا في التغطية الدفاعية، مما ترك مساحات شاسعة استغلها برشلونة .
بين الدقيقة 30 و45، سجل برشلونة 3 أهداف، كلها نتيجة اختلالات هيكلية واضحة. لم تكن الأهداف مجرد لحظات فردية رائعة، بل جاءت عبر تحركات منظمة ومدروسة، ضغط في التوقيت المناسب، فقدان الكرة، تفوق عددي في الوسط، ثم الاختراق. ومع غياب مدافعين أساسيين مثل ميليتاو، روديجر وألابا، غرق خط الدفاع المدريدي تحت موجات الهجوم.
من أغسطس 2024 إلى مايو 2025، تفوق برشلونة على ريال مدريد بنتيجة إجمالية 18-8، بما في ذلك فوز ساحق 5-2 خارج الديار وانتصار عريض 4-0 في البرنابيو. الفجوة لم تكن فقط بالأهداف، بل بالوضوح: برشلونة يلعب بنظام ومنهجية، بينما مدريد يعتمد على لحظات فردية. طرف يفرض أسلوبه، والآخر يرد الفعل فقط.
تحدي تشابي ألونسو: من الارتجال إلى إعادة بناء الهوية
هذا هو السياق الذي يدخل فيه تشابي ألونسو هو لا يرث فريقًا محطمًا، بل فكرة مشوشة عمّا يجب أن يكون عليه ريال مدريد.
في عهد كارلو أنشيلوتي، لم يطور مدريد نموذجًا تكتيكيًا ثابتًا. كان ذلك مقبولًا طالما كانت لحظات التألق الفردي تغطي العيوب. لكن أمام أندية حديثة ومنظمة مثل برشلونة، بايرن ميونيخ ومانشستر سيتي، لم تعد هذه العيوب قابلة للتغطية.
مهمة ألونسو فلسفية بقدر ما هي تكتيكية: عليه إعادة بناء الهوية.
وبعيدًا عن البنية، سيواجه ألونسو تحديًا فريدًا، كيفية دمج اثنين من أخطر المهاجمين في الجهة اليسرى عالميًا — كيليان مبابي وفينيسيوس جونيور — في منظومة واحدة متماسكة. كلاهما يعتمد على المساحات والسرعة والحرية. لم يعد بإمكان مدريد تركهما يتداخلان بلا تنسيق. يجب أن يقرر ألونسو: هل ينقل أحدهما إلى العمق؟ هل يعتمد على ثلاثي هجومي ضيق بأدوار غير متناظرة؟ أم يفرض أخيرًا انضباطًا تكتيكيًا على لاعبين طالما تم تدليلهم؟
يعتقد البعض أن ألونسو سيعتمد على ثلاثي دفاعي في مدريد كما فعل في ليفركوزن، لكن هذا تبسيط مفرط. في ليفركوزن، جاءت خطة 3-4-2-1 لتناسب اللاعبين المتاحين، وليس لأنها فلسفة ثابتة. في الحقيقة، لدى ألونسو خبرة واسعة مع الدفاع الرباعي، كلاعب مع ريال سوسيداد، ليفربول، ريال مدريد وبايرن ميونيخ. يعرف النظامين ويختار الأنسب لفريقه.
في مدريد، من المرجح أن يعود إلى الدفاع الرباعي لسبب أساسي: لا يوجد أجنحة دفاعية طبيعية في التشكيلة. لاعبو مثل ترينت ألكسندر-أرنولد وفيرلاند ميندي ممتازون كأظهرة، لكنهم غير مناسبين لدور الجناح الدفاعي المزدوج. الانتقال إلى ثلاثي دفاعي سيخلق فوضى تكتيكية، خاصة بالنسبة لأدوار لاعبين مثل روديجر وميليتاو وأسينسيو.
التوقعات إذًا تشير إلى اعتماد مدريد تحت قيادة ألونسو على خطة 4-2-3-1 أو 4-3-3 مرنة، مع سلوك تكيفي في الاستحواذ. ما سيحدد هوية الفريق ليس الشكل، بل النية: لعب موضعي، ضغط منسق، وأدوار واضحة في بناء اللعب.
تحول تاريخي محتمل
هذا سيمثل تحولًا كبيرًا في فلسفة النادي. لطالما تجنب مدريد التدريب التكتيكي العميق. حتى أكثر مدربيه تنظيمًا مثل جوزيه مورينيو ركز بشكل أساسي على الدفاع المنخفض والهجمات المرتدة. ألونسو، في المقابل، يجمع بين الرؤية التكتيكية، المهارة التحفيزية، ومكانته كأسطورة في النادي.
سيواجه ضغوطًا فورية، إذ تنطلق بطولة كأس العالم للأندية بعد أسبوعين فقط من وصوله، وسط غيابات دفاعية وشائعات سوق الانتقالات. لكن التحول التكتيكي لا يبدأ بالصفقات، بل بالوضوح.
ما يجلبه ألونسو ليس فقط التكتيك، بل الإرث. هو يفهم النادي، ويفهم الجماهير، ويفهم معنى أن تكون جزءًا من ريال مدريد، ليس فقط بحمل الشعار، بل بتحديد أسلوب اللعب.
ألونسو لا يأتي ليعيد إنتاج تجربة ليفركوزن في مدريد، بل ليجمع بين المبادئ الحديثة وروح المدريديستا. إذا نجح، فلن يستعيد فقط هيبة مدريد، بل سيغيّر الطريقة التي يفوز بها الفريق.