جميع المباريات

إعلان

بيبو

عبد القادر سعيد

عبد القادر سعيد

يطوف الشباب في شوارع القاهرة العتيقة المُلتهبة بإحمرار قمصانهم وراياتهم، يهتفون في عشق وامتنان (بيبو.. بيبو.. بيبو) تعلوا ضحكاتهم فتصطدم بابتسامات المُعجبين بمسيرتهم الحافلة في الشُرفات التي تكاد تتلاصق في شارع ضيق كزقاق تُعبئه موسيقى روحية تتناغم مع اسم الأسطورة الذي يكفى للتعبير عن الفرحة والاحتفال.

لم أعش في العصر القديم "ربما لسوء حظي"، ولكني لا أعتقد أن استقبال ملوك مصر بجيوشهم بعد العودة بالنصر في إحدى حروب الشرق كان أعظم من استقبال الجماهير الحمراء لأسطورتهم الخالدة في استاد القاهرة يوم أن قرر الاعتزال، فتحول الهتاف من 120 ألف مُحب إلى (لأ يا بيبو لأ.. لأ مالكش حق)، رافضين الخروج، يُمنون أنفسهم بلحظة تراجع تعيد إلى قلوبهم الفرحة لعام أو عامين أو بضع سنين.

مر الخطيب في شوراع مصر كنسمات نقية عندما تستنشقها تنتشي بالسعادة، سيرته كانت وبقيت عطِره، سماع اسمه في الملعب أو رؤيته يُجري الإحماء لملامسة المروج الخضراء لها تأثير من الصعب جداً وصفه.

يترفع بأخلاقه عن الرد عن كل زنيم، جيوش المُحبين تلاحقه كنار متقدة تدفع عنه أي سوء، لم تكن أهدافه الرائعة المُسجلة على الشرائط البدائية في مكتبة ماسبيرو هي كل إرثه، مواقفه النبيلة وهدوئه واحترامه لنفسه أولاً وللأخرين بعد ذلك كانت الإرث الأعظم.

ليل غاسق طبق على سماء النادي الأهلي يوم أن اعتزل، ويوم أن ابتعد عن المشاركة في إدارته وقب الظلام وذبلت الضحكات وتحرفت المبادئ وانحرفت الأخلاق، أصبح الأهلي كإمبراطورية عظيمة فقدت قائدها، تفتت رغم أنها مازالت تحتفظ بمعظم أراضيها المُكتسبة، كإمبراطورية الرومان بدون الإسكندر، ومصر بعد رمسيس الأعظم.

رزحت القلعة الحمراء وبدت راياتها رثّة مهلهلة، هجع المنادون بالمبادئ عندما رأوها تتحطم في غياب أبناء الأسرات المؤسسة لها، رأى رجال الإمبراطورية التي حكمت إفريقيا قلعتهم تخترق أمام أعينهم، تسكنها الجرذان لتتحول من السير في ممرات الفئران إلى العبث بممرات المُلوك والأمراء في قلعتهم المُطلة على النيل.

وفجأة ظهر في الأفق "بيبو" يلوح بإشارات لشعب الأهلي مفادها (انتظروني ريثما أعود)، نطت الأسطورة من إفريز الصورة الكبيرة المحفورة في قلوب المُحبين القدامى الذين أورثوا عشقها لأبنائهم وتحولت في أذهانهم إلى حلم قابل للتحقيق، حلم التحرير وثورة التغيير التي ستعيد لإمبراطورية المبادئ العُظمى بريقها وقدسيتها، وظل الجميع ينتظر بيبو ليحملونه على أكتافهم كملوك العالم القديم في مسيرة احتفالية نحو العرش.

وفي مشهد مقارب ليوم رحيله عن الملاعب وسط بحيرات الدموع في استاد القاهرة، احتشد الشعب الأحمر في قلعة الجزيرة وأشهدوا النيل على انتمائهم للتاريخ العظيم الذي يمثل عظمته وكبريائه محمود الخطيب، صنعوا له أكوام من أوراق التصويت الانتخابية ووضعوه فوق أعلى قمم النادي الأهلي ليجلسوه على العرش ملكاً متوجاً.

اليوم عاد الأهلي.. اليوم لم يعد اللون الأحمر باهتاً، اليوم تجرع المارد الأحمر إكسير الحياة ليعود صامداً يصد الرياح العاتية، فتلاشت الجرذان وعادوا لممراتهم المُظلمة القبيحة، وإذا كان الموتى يشعرون بالأحياء حقاً، فستكون الليلة هي أسعد ليالي الأب الروحي صالح سليم في مثواه الأخير في الدنيا، ارقد في سلام يا مايسترو، فالأهلي الليلة قد عاد.

لمناقشة الكاتب عبر تويتر.. اضغط هنا، وعبر فيس بوك.. اضغط هنا

الإحصائيات

جميع الإحصائيات

إعلان

أخبار تهمك

التعليقات

تطبيق يلا كورة

تابع الأحــداث الرياضيــة و حــمــل التطبـيق الآن