أعلم أن الأرجنتيني هيكتور كوبر وجهازه المعاون يعملون بكل جهد وإخلاص، لكن للأسف الشديد هذا هو فِكر كوبر وأسلوبه، وهذه نهاياته الحزينة المعتادة، وبالتالي العيب ليس عليه، بل على من اختاره لتدريب المنتخب المصري، دون النظر لأسلوبه ومدى تماشيه مع الخامات المتاحة، والشكل والأهداف المطلوبة.. هذا إن كنا نُخطط من الأساس.
كوبر مدير فني يهتم بغلق ثغرات فريقه، ولا يُجيد خلق ثغرات في خطط المنافسين، فقد عمل على تقوية المنظومة الدفاعية المصرية، لكنه لم يستطع خلق حلول للوصول لمرمى المنافسين.. "كوبر لا يُنظف.. كوبر يخفي التراب تحت السجاد".
أنا أرى أن تحليل أسباب خسارة منتخب مصر على يد أوروجواي ثم روسيا، يبدأ من تصفيات بطولة أمم أفريقيا –الجابون 2017- مرورًا بنهائيات البطولة الأفريقية ثم تصفيات المونديال.
بالفعل كان المنتخب المصري بائس لأقصى درجة، فشل في التأهل لكأس العالم 2014 بفضيحة، وابتعد عن أمم أفريقيا 3 مرات متتالية، ومع قدوم كوبر بدأت ملامح فكره تظهر خلال التصفيات المؤهلة لأمم أفريقيا، ورغم وقوعنا في مجموعة شبه ميتة في مع نيجيريا –التي كانت تمر بمرحلة إحلال وتجديد- وتنزانيا، وتشاد التي انسحبت، إلا أننا تأهلنا بشق الأنفس، وبلقطة بطولية وMaster Seen غير مخطط له من حمادة طلبة، الذي حرم نيجيريا من هدف محقق، كاد أن يُغير كل شيء حتى وقتنا هذا وينهي تجربة كوبر قبل أن تبدأ.
في الجابون، لعبنا مباريات سيئة جدًا، تأهلنا من مجموعة ضعيفة جدًا (غانا ومالي وأوغندا) بتعادل سلبي وفوز في مباراتين 1-0، وفي ربع النهائي بفوز رباني على المغرب بهدف قاتل، في مباراة فعل خلالها المنتخب المغربي كل شيء دون توفيق، وفي نصف النهائي حققنا الفوز بركلات الترجيح على بوركينا فاسو التي كانت الأفضل، وحانت لحظة الحقيقة في النهائي حين واجهنا للمرة الأولى منتخب هز شباكنا بهدفين، وللأسف ظهر منتخبنا في منتهى العجز هجوميًا، لأننا بلا مخططات هجومية، ونلعب على الدفاع الباسل مع الاعتماد على صلاح في الهجوم، أو أن يرزقنا رب العباد بهدف من حيث لا نحتسب بخطأ من المنافس.
إرادة الله وأشياء أخرى، أوقعتنا في مجموعة كربونية في تصفيات كأس العالم، مع غانا وأوغندا والكونغو، مع ترتيب مباريات لو اجتمع الشعب المصري على وضع مثيله لن ينجح.
بفضل من الله تعالى، نجحنا أخيرًا في التأهل للمونديال بعد غياب 28 سنة، لكن كالعادة بشق الأنفس وبالدعاء، وبضربة جزاء في الدقيقة الأخيرة بعد لحظات قاسية من تعادل الكونغو معنا على أرضنا أمام الآف الجماهير التي لم تكُف عن الدعاء.
خلال المباريات الودية قبيل المونديال، لم يلحظ منتخبنا وجهازه الفني –أو لاحظوا ولم يجدوا الحل- أننا نفتقر للحلول الهجومية الحاسمة، وحتى قوة دفاعنا محل شك أمام أي منتخب واقعي أو لاعب لديه حلول.
الخسارة من أوروجواي
دون الدخول في تفاصيل تكتيكية مملة، مباراة أوروجواي كانت كاشفة لأبعد الحدود، في ظل غياب صلاح (الحل الهجومي الوحيد) لم نسدد إلا 3 تسديدات على مرمى منتخب السيليستي، واحدة منهم فقط يُمكننا اعتبارها شكلت تهديدًا لمرمى الحارس موسليرا، كانت من الظهير الدفاعي أحمد فتحي، في حين ظهرت ثغرات واضحة في دفاعنا وغياب تركيز قاتل، ولولا ستر الله ثم التألق الأسطوري لمحمد الشناوي، اللي تصدى لـ4 أهداف محققة، كنا سنخرج بفضيحة كروية كالتي خرج بها المنتخب السعودي.. دعنا نحسبها معًا.. هدف خيمينيز + هدفين من سواريز + هدفين من كافاني= 5-0
التحليل الفني لمباراة روسيا
بدأ كوبر المباراة بتشكيله الأساسي، بعودة محمد صلاح بدلًا من عمرو وردة.. ولعبنا بخطة 4-2-3-1، بتكليفات دفاعية للجميع عدا صلاح.
على الجهة الأخرى، تفوق ستانيسلاف تشيرشيسوف، المدير الفني الرائع لمنتخب روسيا، على نفسه وبالطبع على كوبر، فيبدو أنه ذاكر المنتخب المصري جيدًا، وبالطبع هو يعرف نقاط قوة وضعف فريقه، ولذلك لعب بخطة دفاعية، لإنه لا يستعجل الفوز، ويعرف أن منتخب مصر هو الذي سيقلق ويتوتر مع مرور الوقت، وبالتالي سيضطر للتخلي عن خطته الدفاعية ولعبه على المرتدات، وبناءً عليه سيفقد خطورة صلاح.
المدرب الروسي علم جيدًا أن سرعات معظم لاعبيه أقل من لاعبي مصر، وأقل قدرة على الاحتفاظ بالكرة، لكن أسلوب روسيا لا يعتمد على الاستحواذ وبناء الهجمات ببطء، وقد ظهر ذلك في مباراة السعودية، التي استحوذت على الكرة بنسة 61% مقابل 39% لروسيا، مع 451 تمريرة للسعودية، و251 فقط لروسيا، وفي النهاية فازت روسيا بخماسية نظيفة، لذلك فضّل "تشيرشيسوف" ترك الكرة لمنتخب مصر مع غلق أي مساحات للهجوم على الحارس "إكنفيف"، وهو ما حدث، بـ51% استحواذ مصري مع 347 تمريرة، مقابل 49% لأوروجواي و304 تمريرة.
أحد أذكى تكتيكات "تشيرشيسوف"، كانت في إراحة المهاجم الأساسي "سمولوف"، والبدء بالعملاق "أرتيم دزيوبا" -195 سم- الذي يمتلك قوة بدنية جبارة وقدرة مميزة على تسلم الكرة تحت ضغط مع إيجاد حلول كثيرة، وبالفعل نجح هذا الحل الروسي في إبقاء الضغط الهجومي المصري أقل، لأن وجود "دزيوبا" في عمق دفاع مصر شكل صداعا للدفاع والوسط، حيث تسلم الكرة 60 مرة، مع أرقام أخرى مرعبة، فتحت الطريق لتقدم مريح في أحيان كثيرة للثنائي "تشرشيف" و"سميدوف".
أزمتي الحقيقية مع منتخبنا، هو بحثه عن الفوز بدون خطة هجومية واضحة.. "طالما صلاح موجود بإذن الله هنكسب"، مع العلم أن حالة الهوس الدفاعي عند كوبر، جعلت صلاح غير مُسانَد في أغلب الأوقات، وبالتالي كان صيدًا سهلًا لدفاع روسيا المنظم، وفي أحسن الأحوال كانت المواجهة بين صلاح ولاعب مصري آخر سواء كان مروان محسن أو عبدالله السعيد أو غيره، مقابل 4 أو 5 مدافعين روس.. والنتيجة كالعادة فضيحة مكتملة الأركان.. تسديدة مصرية واحدة فقط بين القائمين والعارضة لمرمى روسيا.. من ضربة الجزاء.
الأزمة الأكبر، التي ستعود بنا مجددًا لمباراة الكاميرون في نهائي أمم أفريقيا، أننا كفريق، غير مؤهل نفسيًا لتلقي أهداف، فيبدو أن كوبر لا يضع هذه السيناريوهات المخيفة في حساباته ولا يُحدث لاعبيه عنها..نحن حينما نلعب للفوز لا نضع في حساباتنا احتمالية تلقينا أهداف، وخاصة لو أكثر من هدف، وهذا هو الفرق الفارق بين المنتخبات الهزيلة الساذجة التي واجهناها في التصفيات، ومنتخبات كأس العالم الذكية التي تعرف ماذا تفعل، وفرص تهديفها أكثر وأخطر.
قبل الختام، تحية واجبة للمقاتل طارق حامد، أكثر لاعب مجتهد ومتفاني وقوي ومقاتل في تشكيل منتخب مصر، الذي يحتاج وحده لموضوع كامل لشرح أدواره وتفنيد أرقامه المرعبة.
أخيرًا.. إن كانت بالفعل هذه هى أقصى إمكانياتنا كدولة تضم أكثر من 100 مليون، لو كان محمد صلاح المصري الوحيد القادر على مهاجمة دفاعات المنافسين والتسجيل في شباكهم، فعلينا إلغاء الدوري وحل أندية كرة القدم، ولنتجه لممارسة وتشجيع رياضات ننجح فيها.