الجمعة 6 يوليو 2018
07:33 م
( 1 )
يروى أن رجلاً ذا أصل وفصل كان يعيش في قرية هادئة على البر الغربي لنهر النيل العظيم .. على مر قرون طويلة كانت القرية تعتمد على زراعة أراضيها الخصبة، فتأكل مما تحصد، ويقطن أهلها بيوتاً بسيطة من الحجر الذي تكوّن من بقايا حضارة قديمة..!
رغم فقر القرية.. كانت القرى والتجمعات المحيطة بها تنظر لها بإجلال واحترام .. فرجالها يحملون هيبة الأصول العريقة، وتحسبهم أغنياءً من التعفف.. فضلاً عن قوة شكيمة ووفرة في الرجال الأشداء، الذين لا يهابون الموت.. وكان الرجل ينحدر من عائلة كبيرة تتولى "العمودية" أباً عن جد.. والعمدة في القرية هو الكبير ، ليس بالمال ولا السلطة .. وإنما بالهيبة والحب والتفاف المؤيدين والأنصار و"المشجعين" حوله.. لذا كان بيته العريق مفتوحاً للجميع: جلسات النقاش والسمر والكرم الحاتمي..!
غير أن رجلاً جاء من البر الشرقي يحمل خزائن بلا نهاية من المال والذهب.. هو أيضاً ذو أصل وفصل بين أهله.. ولكن لا أحد في القرية يعرف له أصلاً في شجرة الأجداد ولا جذراً في أرضهم الخصبة.. كان قريباً غريباً في ذات الوقت.. قالوا إنه جار من الضفة الأخرى.. ولكنه لا يحمل قسمات الوجوه فى القرية، ولا يدرك أن للأرض والناس مفاتيح وألغازاً يصعب فهمها..!
فتح القادم خزائنه لأهالي القرية لعله يحظى بشيء من حبهم للكبير .. إذ كان في حقيقة الأمر يحلم بـ"عمودية" ونفوذ في تلك الأرض الطيبة.. ولكنه لم يدرك وهو يحاول ويناور أن الكبير كان دائماً كبيراً بأهله وعشاقه.. لذا فقد ظل الكبير متدثراً بهم ومحتمياً بحبهم رغم فقره مثلهم.. بل إنه لم يكترث بالغريب حين اشترى بيتاً متواضعاً وقرر هدمه وبنى برجاً شاهقاً، ليكون "قبلة" الرواد وبديلاً لبيت "الكبير" العريق.. فقد تحوّل البرج إلى محط سخرية الجميع.. لأن صاحبه - ببساطة شديدة - لم يفهم أن في تلك الأرض ليس بمقدور أحد شراء حب العامة حتى وإن اشترى ولاءً وهمياً ومؤقتاً من بعض الخاصة.. وبقي الحال كما كان عليه.. ظل الكبير كبيراً ، وبيته عامراً بالحب والسهر والدفء.. ولم يصبح الغريب عزيزاً.. وتحول برجه الفخيم إلى أطلال شاهدة على سر لا تبوح به تلك الأرض الفتية إلا لأصحابها وأهلها..!
لماذا رويت لكم هذه القصة..؟!.. لا أعرف.. بل إنها تبدو ساذجة، كأولئك الذين يتوهّمون أن التاريخ يمكن أن ينام على "وسادة دولارات" .. أو أن الحضارة قد تمحوها ورقة "بنكنوت".. لذا أرجو ألا تربط بين تلك القصة الساذجة والسطور التالية التى يكتبها مشجع أهلاوى..!
( 2 )
في يوم ولادتي لعب الأهلي والزمالك - لا أتذكر النتيجة - إذ سألتهم جميعاً، فأخبروني أن المباراة كانت جميلة وممتعة.. فلماذا أسأل عن النتيجة؟!.. وحين لعبت الكرة أول مرة في "حوش" المدرسة.. ارتديت فانلة حمراء.. فأصبحت أهلاوياً.. وارتدى أخي "إبراهيم" فانلة بيضاء .. فعشق الزمالك .. خالى كان أهلاوياً صميماً.. فعلّمني حب الانتصار.. ووالدي كان زملكاوياً بالفطرة .. فغرس داخل أخي عشق الكرة الجميلة.. وعشنا أهلاوية وزملكاوية ودراويش واتحادية ومصراوية على الحلوة والمرة.. حتى أمي يرحمها الله كانت أهلاوية لتشاركني فرحة الدوري.. وزملكاوية الدعاء بأن يعوض أخي خيراً بالكأس ..!
أهلاوي أنا حتى النخاع، ومثلي ملايين.. وأخي زملكاوي مع ملايين.. فكيف يسألني صديق "إنت إيه؟".. فأجيبه "بيراميدزاوي.. وأفتخر.."..؟!
( 3 )
الأندية لا تُبنى بـ"الفلوس" فقط .. وإلا أصبحت مثل "الفراخ البيضا" بلا طعم.. وفرق كرة القدم لا تحرز الأهداف بأقدام لاعبيها حتى لو اشترتهم بـ"المليارات".. ولطالما حققت الجماهير بطولات كبرى بزئير "يهد الجبال" مع فريق يعاني من مشاكل فنيه ومهارية.. فهل يشترى "بيراميدز" جمهوراً مثل "الأهلي" أو "الزمالك" أو "الإسماعيلي"؟!.. ربما؟! وحتماً ستكون التسعيرة بالدولار: مشجع عادى "المباراة بـ3 دولارات".. مشجع هتيف بـ" 5 دولارات".. مشجع "مع شمروخه بـ10 دولارات".. "كابو" يقود المدرج بـ"50 دولارًا".. مشجع يجوب الشوارع براية الفريق "100 دولار" .. "شتام" على الفيس بوك "700 دولار "..!
ولادة قيصرية بعد "تلقيح صناعى" سريع .. والجنين يحمل ملامح لأكثر من "أب".. رجل أعمال من دولة شقيقة "قطعاً ليس تركي آل الشيخ" لأن اسم سيادة وزير الرياضة في السعودية لا وجود له في عقود وأوراق الصفقة.. ومعه رئيس نادٍ غاضب وناقم على الأهلي "قطعاً هو حسام البدري الذي لم يبتسم منذ كان لاعباً إلا في المؤتمر الصحفي للإعلان عن النادي الجديد".. ونجوم برازيليون وأوروبيون يتحدثون "لغة الدولارات" .. ولاعبون مصريون "غلابة" لا يصدقون ما يحدث.. فكيف نشجع "خلطبيطة" وراءها "روح انتقامية"..؟!
( 4 )
لست ضد أحد بعينه.. ولست ساذجاً حتى أعارض هذه "الصفقة" دون مبررات منطقية.. فقط أعتقد أن حجم الأموال التي يتم ضخها تُلزم الدولة بأجهزتها التوقف والتفحّص قليلاً.. إذ تنص كافة قوانين "حماية المنافسة" في العالم على ضرورة ضمان تكافؤ الفرص، حتى في حجم الإنفاق.. فما يحدث ينبئ بإفساد سوق كرة القدم فى مصر.. ولن تستطيع الأندية المصرية مجاراة هذا "الوافد" الجديد، لا في أسعار اللاعبين ولا المدربين، وستحدث حتماً حالة من "التضخم" بما لا يتناسب مع سوق "اللعبة" واقتصادياتها .. وبالطبع ستكون الصناعة كلها في خطر جسيم..!
مثلما تتدخل أجهزة الدول إن تعمدت شركة خفض أسعار منتجاتها بشكل مبالغ فيه لإخراج المنافسين من السوق.. لا تصمت كذلك أمام تدمير صناعة أو نشاط أو خدمة بـ"زكايب الأموال" القادمة من الخارج.. والدوري المصري له "حجم" لا يجوز لطرف واحد تجاوزه على حساب المنافسين "محدودي الموارد" وفقاً لـ"حجم" النشاط ذاته.. ولا توجد دولة تكتفي بموقع "المتفرج" أمام هذا المشهد..!
ولكي نفهم ما يحدث .. دعونا نرجع إلى الوراء قليلاً حين دخلت شركة "جودنيوز فيلم" سوق الإنتاج السينمائي بأموال خليجية ضخمة.. وقتها ضاعفت الشركة ميزانيات إنتاج الأفلام وأجور النجوم والفنانين.. ولأن السوق المصرية كانت أصغر حجماً من تدفقات أموال الشركة وإنفاقها.. خرجت شركات إنتاج عريقة من الصناعة لعدم قدرتها على منافسة الشركة الغنية.. وكانت النتيجة إفلاس "جودنيوز" وخروجها من السوق، ولكن بعد أن ضاعفت أجور الفنانين، وأطاحت بالمنافسين، وأصابت صناعة السينما المصرية بأزمات لا تزال تعاني منها حتى الآن..!
لا أطالب بإجراء تعسفي ضد صفقة نادي "بيراميدز" الحاج الأسيوطي سابقاً.. وإنما - فقط - أدعو إلى بحث الأمر من جوانبه القانونية والسيادية و"الوطنية".. وإن رأت "الدولة" أن مخاوفنا لا محل لها.. فأهلاً بـ"الكائن الجديد".. وأهلاً بـ"المعارك" في الملعب.. أنا شخصياً أحب "الفراخ البلدي" سواء في الجزيرة، أو ميت عقبة، أو الإسماعيلية الحبيبة، أو بورسعيد الجميلة، أو الإسكندرية الخالدة..!
.. أما وإن فُرضت علينا "الفراخ البيضا".. فسوف نلتهمها في الملعب.. ولكن "نيّة"..!