وصل إيدير ميليتاو إلى مدريد في صيف 2019 قادمًا من بورتو كاستثمار مستقبلي لتعزيز الدفاع في النادي الملكي.
دفع النادي الملكي حوالي 50 مليون يورو للتعاقد مع قلب دفاع شاب، سريع وقوي بدنيًا، وكان قد ظهر بالفعل مع المنتخب البرازيلي وتألق بشكل لافت في البرتغال.
ومع ذلك، تميز موسمه الأول بفترة التكيف المنطقية التي يمر بها أي موهبة شابة في مدريد؛ إذ لم يحظ بالكثير من الاستمرارية، في ظل وجود سيرجيو راموس ورافائيل فاران كمدافعين أساسيين بلا منازع، وظل المدافع البرازيلي في دور ثانوي، حيث لعب ما يزيد قليلًا عن 1000 دقيقة موزعة على عشرين مباراة رسمية فقط.
كان يُنظر إليه كقادر على أن يكون لاعبًا أساسيًا لفترة طويلة، لكنه كان متوترًا وغير مستقر كثيرًا، ولم يبدأ موسم 2020/21 بشكل مختلف كثيرًا، لكن ذلك الموسم تحول إلى نقطة فاصلة.
تعرض راموس وفاران وقتها لإصابات طويلة الأمد، وفجأة وجد زيدان نفسه "مضطرًا" لمنحه قيادة خط الدفاع في مباريات حاسمة، وهناك انفجر البرازيلي مقدمًا عروضًا رائعة في دوري أبطال أوروبا أمام ليفربول وتشيلسي، حيث أظهر قدرته على التفوق في المواجهات الفردية واللعب بشخصية قوية.
انتقل ميليتاو من كونه شبه غير مرئي إلى أن أصبح مفاجأة الجزء الأخير من الموسم، ورغم أن مشاركته الإجمالية لم تكن كبيرة بسبب بعض الانزعاجات العضلية، فإن أداءه بثّ الثقة وبدأ يحجز لنفسه مكانًا في الفريق.
أكبر تحدٍ في مسيرته الكروية
كانت انطلاقة ميليتاو الحقيقية في موسم 2021/22، عقب رحيل راموس وفاران، ومع وصول ديفيد ألابا شكّل معه ثنائي قلب الدفاع الأساسي وأصبح قطعة لا غنى عنها بالنسبة لأنشيلوتي.
لعب أكثر من 50 مباراة (4,344 دقيقة) وفرض نفسه كقائد دفاعي في لقب الدوري الإسباني الذي توج به ريال مدريد، وكذلك في دوري أبطال أوروبا للبطولة الرابعة عشرة، مؤكّدًا أنه بات قلب دفاع بمكانة كافية ليتولى دور الركيزة الأساسية في خط دفاع ريال مدريد.
وفي الموسم التالي، 2022/23، كان موسمه الأبرز على الإطلاق، فقد وصل ميليتاو إلى مستوى مرتفع جدًا، ربما الأفضل في مسيرته حتى الآن، حيث لعب تقريبًا كل المباريات وأثبت أنه موثوق بدنيًا ومهيمن كرويًا.
ولكن في الوقت الذي كان فيه في قمة مستواه، تلقى أقسى ضربة.
ففي أغسطس 2023، وفي الجولة الأولى من الدوري الإسباني، تعرض لتمزق في الرباط الصليبي الأمامي لركبته اليسرى، هذه الإصابة أبعدته عن الملاعب تقريبًا طوال الموسم، وأجبرته على الخضوع لعملية تعافٍ طويلة (232 يومًا بعيدًا عن الملعب).
ولم يتمكن ميليتاو من العودة إلى اللعب سوى في أبريل 2024، حين كان الموسم قد حُسم عمليًا، لكنه وجد الوقت للعودة إلى أرضية الملعب والمشاركة مع الفريق الذي رفع لقبي الدوري الإسباني ودوري أبطال أوروبا على ملعب ويمبلي بعد الفوز على بوروسيا دورتموند.
وبينما كان يخطو خطوات لاستعادة ثقته بنفسه، جاءت الضربة من ركبته الأخرى، الرباط الصليبي الآخر أطاح به مجددًا.
خيّم الصمت على ملعب سانتياجو برنابيو، في مشهد نادر الحدوث، سقط ميليتاو بشكل غير مريح بعد قفزة وبدأ يصرخ من شدة الألم، مشهد مؤلم للقلب، حيث أمسك بركبته اليمنى، وسرعان ما تأكدت أسوأ التوقعات: تمزق كامل في الرباط الصليبي الأمامي، مع تلف في كلا الغضروفين الهلاليين، تسعة أشهر أخرى بعيدًا عن الملاعب، جراحة أخرى من جديد.
من المحنة إلى القوة
الآن، يعيش ميليتاو موسم 2025/26 كعودة مظفرة إلى ريال مدريد، فبعد تجاوزه إصابتين خطيرتين كانتا تهددان مسيرته وتثيران الشكوك حول كيفية عودته، أصبح قلب الدفاع البرازيلي مجددًا جزءًا أساسيًا من منظومة دفاع تشابي ألونسو.
وكل مباراة تؤكد أن البرازيلي استعاد مستواه؛ فسيطرته في الالتحامات، وسرعته في التغطية، وقدرته على بناء اللعب من الخلف منحت ريال مدريد الصلابة التي كان يحتاجها في الخط الخلفي.
بعيدًا عن الجانب البدني، استعاد ميليتاو ثقته بنفسه وروحه القيادية، ليصبح قدوة لزملائه وركيزة أساسية في طموحات الفريق.
وفي سن السابعة والعشرين، لا يزال أمامه متسع للتألق من جديد بعد أن اضطر لاتباع مسار مختلف في ريال مدريد (178 مباراة فقط خلال ستة مواسم).
تاريخ ميليتاو مع ريال مدريد يجمع بين فترات من التكيف، والتفاني، والإصابات القاسية، لكن موهبته وصلابته تثبت بوضوح أنه قادر على استعادة المستوى الذي جعله أحد الركائز الأساسية في دفاع ريال مدريد.