أفضل من ماندزوكيتش.. رحلة الدباغ إلى أوروبا ومضايقات نقاط التفتيش ورفض منتخب الاحتلال

أصبح اسم المهاجم الفلسطيني عدي الدباغ الأكثر تداولًا في سوق الانتقالات المصرية، قبل أيام من بداية الموسم الجديد، بعد ارتباطه بالانتقال لصفوف نادي الزمالك.

تعد رحلة الدباغ الكروية حدثًا استثنائيًا في تاريخ الكرة الفلسطينية، فهو أول لاعب من نتاج الكرة المحلية ينجح في الاحتراف بالدوريات الأوروبية المرموقة.

وسبق الدباغ العديد من اللاعبين الفلسطينيين، الذين احترفوا في أوروبا، لكن نشأ البعض في دول آخرى، بينما يحمل البعض الآخر جنسيات متعددة، مما ساعدهم في اختصار الطريق نحو القارة العجوز.

ولد الدباغ في حارة السعدية بالبلدة القديمة لمدينة القدس، وبدأ رحلته مع كرة القدم كحارس مرمى، ثم لعب في عدة مراكز آخرى، قبل أن يضمه فريق هلال القدس وهو يبلغ 12 عامًا، ثم تم تصعيده للفريق الأول وهو يبلغ 16 عامًا، وكان يشغل مركز الظهير الأيسر.

وقرر مدربه خضر عبيد تغيير مركزه، ليشارك كجناح أيسر ثم مهاجم صريح، ليكون قريبًا أكثر من المرمى.

كان الدباغ يحاول تقليد المهاجم الهولندي روبن فان بيرسي، وفقًا لمجلة جاكوبين، بعد تغيير مركزه، ويركز على إنهاء الهجمات بالرأس بشكل جيد.

حصد الدباغ لقب دوري الضفة الغربية لثلاث نسخ على التوالي، وكان هداف البطولة في أحد النسخ، وقدم مستويات مميزة، جعلت الجميع يتأكد من موهبته، وقدرته على الذهاب بعيدًا في عالم الكرة.

وقال روبرتو كيتلون، وهو لاعب تشيلي فلسطيني، الذي لعب إلى جانب الدباغ في تلك الفترة، بتصريحات لمجلة جاكوبين: "كان من الواضح أنه يمتلك مهارات وصفات تفوق بقية زملائه في الفريق، كان يتمتع بعقلية المنافسة على أعلى مستوى، بالإضافة إلى التواضع الذي ساعده على مواصلة التطور".

ورغم هذا النجاح، كان على عدي مواجهة ظروفًا صعبة من نوع آخر، قد لا يقابلها الرياضيين عادة، وذلك في مواجهة قوات الاحتلال.

وقال عدي: "يواجه جميع الرياضيين الفلسطينيين تحديات بسبب الاحتلال، لكن من خلال المثابرة والتركيز على مواجهة تلك التحديات، يُمكنك تحقيق أهدافك وأحلامك".

وأضاف: "أركز على كرة القدم، ولا أريد الخوض كثيرًا في الشؤون السياسية، في فلسطين، كرة القدم هي الرياضة الأكثر شعبية، تشاهدونها في الشوارع، وفي المدارس، وعلى شاشات التلفزيون، بالنسبة لي، هي قبل كل شيء لعبة، باستثناء بعض المباريات بالطبع".

وأكمل: "إنه لشرف عظيم، ولكنه أيضًا يُحمّلني مسؤولية كبيرة، يجب أن أبذل قصارى جهدي لرد الجميل لهم، هدفي الرئيسي هو إلهام اللاعبين الفلسطينيين الآخرين وفتح أبواب كرة القدم الأوروبية لهم، أعتقد أن ذلك ممكن".

وفي حوار أجراه مع مجلة "سو فوت" الفرنسية عام 2023، كشف عدي عن أصعب المواقف التي واجهها قبل احترافه في البرتغال، قائلًا: "استغرق الحصول على تأشيرتي شهرين، مما أدى لغيابات عن الشهر الأول من مباريات الدوري".

وتابع: "كان الأمر صعبًا للغاية، كان يمكنني التقديم في القنصلية البرتغالية في رام الله، بعد ذلك، كان لا بد من إرسال أوراقي للتحقق منها، هذا يستغرق وقتًا طويلاً، يبحثون في ماضيّ بالكامل، ويتأكدون من أنني لم أرتكب أي خطأ فادح عندما كنت أصغر سنًا، استغرق الأمر شهرين إجمالًا، بعد ذلك أخبرتني القنصلية البرتغالية أن ختم جواز سفري غير واضح، فاضطررت للانتظار شهرًا آخر".

وردًا على سؤال بشأن أساليب سلطات الكيان الصهيوني التي تعرقل مسيرة الرياضيين، قال: "هي عائق كبير، في كل مرة نسافر، علينا أولاً الذهاب إلى الأردن، علينا المرور عبر العديد من نقاط التفتيش، حيث نقضي وقتًا طويلاً، أحيانًا يُمنع بعض لاعبينا من مغادرة البلاد في اللحظة الأخيرة".

وواصل: "في إحدى المرات، عندما انضممت إلى المنتخب الوطني للتدريب، اضطررت للمرور عبر نقاط تفتيش، وكنت أرتدي زيًا رياضيًا للمنتخب الوطني الفلسطيني، سألوني جنود الاحتلال لماذا لا ألعب لمنتخب الكيان الصهيوني مع أنني من القدس، شرحت لهم أنني فلسطيني، وأنني أحب فلسطين، وهذا ما أريد تمثيله".

هذا ما أثبته عدي لاحقًا، بعدما أصبح الهداف التاريخي لمنتخب فلسطين، برصيد 16 هدفًا حتى الآن، كما ساهم في تحقيق العديد من النتائج الإيجابية لمنتخب بلاده في تصفيات آسيا وكأس العالم، وأصبح أحد العناصر الأساسية في قائمة كتيبة "الفدائيين".

موسمه الأول في السالمية الكويتي كان بمثابة فترة تجريبية له، بعدما تعرض لكسر في عظمة الترقوة، وأصيب بفيروس كورونا، لكنه خاض عدة تجارب بعد ذلك مع القادسية واليرموك، قبل نقطة التحول في مسيرته، بقميص العربي، الذي فاز معه بلقب الدوري بالإضافة للحذاء الذهبي.

توج العربي باللقب في مايو، في الوقت الذي اجتاحت فيه أعمال العنف الدامية موطن الدباغ، لينشر عبر حسابه: "لبلادي فلسطين العصية على الانكسار، ولشعبي الذي يأبى الرضوخ للذل، لشعبي الذي لا يعرف معنى الاستسلام او الهزيمة، الرحمة والمجد للشهداء والقوة والصمود لغزة العزة".

تلك الفترة التي شهدت تألق عدي، تحدث عنها مدربه الكرواتي أنتي ميشا، المدير الفني السابق للعربي قائلًا: "بالنسبة لي، كان عدي أفضل مهاجم شاب درّبته على الإطلاق، هو لاعب رائع".

وأوضح: "لا بد أنه محظوظ بعض الشيء، فأحياناً يكون المدرب مهماً للغاية، سواءً وثق بك أو لا، قبلي كان مع القادسية والسالمية، وهما ناديان في الكويت، لكنه لم يكن ضمن التشكيلة الأساسية، أما معي، فلا أستطيع تخيل الفريق بدونه".

وزاد: "مهاراته الفنية، وقدراته، وسرعته، وفهمه لكرة القدم أمرٌ لا يُصدق، لقد كنتُ مدربًا لنحو 15 عامًا، دربت ماريو ماندزوكيتش في هايدوك سبليت، لكن عدي هو أفضل مهاجم دربته في حياتي، بلا شك".

مستويات عدي المميزة قادته للانضمام لفريق أروكا البرتغالي، ثم شارلروا البلجيكي، الذي لم يستطع إثبات نفسه معه، لينتقل على سبيل الإعارة مع أبردين الإسكتلندي في يناير الماضي، ويقدم بصمات مميزة لن تنساها جماهير الفريق له.

سجل عدي هدف تأهل فريقه لنهائي كأس إسكتلندا بعد غياب امتد لسنوات طويلة، ثم أحرز ركلة ترجيحية ببراعة في المباراة النهائية، قبل تتويج فريقه باللقب على حساب سيلتيك، لأول مرة منذ 35 عامًا.

وقال السويدي جيمي ثيلين مدرب أبردين، في تصريحات لإذاعة بي بي سبورت، عن عدي الدباغ: "مهاجم حاسم يتمتع بأخلاقيات عمل استثنائية، تكمن قوته في قدرته على إيجاد المساحات داخل منطقة الجزاء".

وأتم: "يحاول دائمًا إيجاد طريقة لتسجيل الأهداف، هو لاعب إيجابي للغاية، ويمنح الفريق طاقة كبيرة، يبذل قصارى جهده ويتعاون ويتواصل مع زملائه في الفريق بشكل رائع، دائمًا ما ترتسم البسمة على وجه عدي أثناء التدريب والمنافسة".

ومن المنتظر أن يصل عدي الدباغ مساء اليوم للقاهرة، لإتمام إجراءات انتقاله لصفوف نادي الزمالك، قبل بداية الموسم الجديد 2025-2026.

وكان الزمالك قد عزز صفوفه بعدة صفقات هجومية منذ بداية الميركاتو، مثل: أحمد شريف، عمرو ناصر، عبد الحميد معالي، شيكو بانزا وآدم كايد.

وربما سيمثل الدباغ إضافة مختلفة لصفوف القلعة البيضاء، نظرًا للخبرات الدولية التي اكتسبها مع منتخب بلاده، بالإضافة لفترة احترافه في أوروبا، في البرتغال ثم بلجيكا وإسكتلندا، كما سيتم قيده كلاعب محلي مثلما يحدث مع اللاعبين الفلسطينيين في مصر، مما يسمح للفريق الأبيض بضم صفقات أجنبية حال رحيل أحد محترفيه.