لم تُشغله الاحتفالات بقيادة منتخب بلاده للتأهل التاريخي إلى دور ربع نهائي النسخة الحالية من بطولة كأس العالم قطر 2022 على حساب نظيره الإسباني عن الذهاب إلى المدرجات لتقبيل رأس والدته متجاوزًا كل من أراد تهنئته.
وليد الركراكي المدير الفني لمنتخب المغربي يُدين بالكثير لهذه السيدة التي رافقها لمدة شهر في وظيفتها كعاملة نظافة بأحد المطارات الفرنسية، قبل أن يترك مهنة والدته التي وعدت بمساعدته لتحقيق حلمه بأن يكون لاعبًا محترفًا لكرة القدم.
الركراكي الذي وُلد لأبوين مغربيين مهاجرين في فرنسا عاش طفولة صعبة بمنزل ضم 5 أشقاء غيره في ضاحية كورباي إيسون جنوب العاصمة باريس، بدأ مداعبة الكرة في نادي مسقط رأسه "كورباي إيسون"؛ حيث اكتشفه مدرب الفريق الأول حينها رودي جارسيا.
المدرب الذي يقود النصر السعودي حاليًا بعد مسيرة قاد أندية بارزة مثل أولمبيك ليون ومارسيليا في بلاده وروما الإيطالي لم يكن بقدر شهرة اليوم، ولكنه كان على ثقة باللاعب الذي ينشط في مركز الظهير الأيمن ليُصعده لصفوف الفريق الأول قبل أن يرحل لنادي "راسينج باريس".
لم يكن الركراكي يمتلك حذاءً رياضيًا في صغره بل كان يستعيره من أحد جيرانه ـ برتغالي الجنسية ـ قبل أن يشتكي والد الأخير لمحمد الركراكي من ابنه، أصبح في عامه 24 على أعتاب خطوة جديدة في مسيرته الاحترافية بالانضمام لصفوف نادي تولوز موسم 99/00.
وهي التجربة التي وضعت ابن حي مونتكونساي الفرنسي في اختيار لم يكن صعبًا بعدما جذب أنظار المدير الفني لمنتخب المغربي الذي يمتلك جنسيته بالتبعيه لوالديه.
"منتخب المغرب كان خيارًا طبيعيًا بالنسبة لي، رغم أنني وُلدت في فرنسا لم أحلُم يومًا بتمثيل منتخبها؛ المغرب بلدي وثقافتي الأصلية وتاريخ عائلتي لقد كان اختيار القلب؛ وُلدت بحي شعبي به الكثير من الجنسيات وعشت الأجواء حين كان يلعب المنتخب المغربي"، وهي تصريحات أوردتها عنه صحيفة nouvelobs في يناير 2012.
دوّن اللاعب الذي وُلد عام 1975 مشاركته الأولى بقميص المغرب أمام مصر في مباراة جمعتهما يوم 28 يناير 2001 ضمن التصفيات الأفريقية المؤهلة لكأس العالم والتي انتهت بالتعادل وفي نهاية التصفيات لم يصعد أي من المنتخبين لمونديال كوريا واليابان 2002.
قابل المشاركة الدولية، خطوة جديدة لوليد الذي انضم إلى أجاكسيو الفرنسي في موسم 01/02 بعدما رحلّ عن تولوز الذي واجهته أزمة مالية أعاقت انضمام الركراكي لقائمة بلاده في كأس أمم أفريقيا 2002.
تألق اللاعب بقيص أجاكسيو والصعود معه لدوري الدرجة الأولى أعاده لارتداء قميص أسود الأطلسي الذي شارك معهم في كأس أمم أفريقيا 2004؛ قبل أن يصل مع أسود الأطلسي إلى المباراة النهائية التي خسرها بنهاية المطاف أمام تونس (مستضيف البطولة وقتئذ) بثنائية مقابل هدف ليدفعه أدائه بالبطولة لمغادرة فرنسا لأول مرة في موسم 04/05 لصفوف راسينج الإسباني.
وعاد الركراكي بعد موسمين لفرنسا عبر بوابة نادي ديجون ومنه لصفوف جرونوبل قبل أن ينهي مسيرته مع أحد أندية الهواة هناك عام 2010 تخللها المشاركة في كأس أمم أفريقيا 2006 التي ودعتها بلاده من الدور الأول.
11 موسمًا احترافيًا كانوا كافيين لـ "رأس الأفوكادو" ليعتزل الكرة ويبدأ في الحصول على الرخص التدريبية.
البداية كانت بقميص محبوبه المغرب فعمل كمدرب مساعد بجهاز المنتخب الوطني موسم 12/13 قبل أن يرحل مع الجهاز الفني الذي كان يقوده رشيد الطاوسي بعد الفشل في التأهل لكأس العالم 2014 بالبرازيل.
قرر ابن الـ 39 عامًا حينها خوّض تجربة الرجل الأول تحت راية الفتح الرباطي المغرب في موسم 14/15 ليتوّج معه بلقبي الدوري والكأس ومن ثمّ جذب الأنظار له فقاد نادي الدحيل القطري موسم 2019/2020.
مارس المدرب الذي لُقب بـ "رأس الأفوكادو" نظرًا لصلعته من قٍبل جماهير الأندية المنافسة له بالمغرب، هوايته كمدرب مع الدحيل فتوّج معه بلقب الدوري القطري ليعود ليُثبت اسمه كمدرب ببلاده عبر بوابة فريق الوداد؛ إذ قاده للتتويج بدوري أبطال أفريقيا على حساب الأهلي وبطولة الدوري قبل الهزيمة في نهائي الكأس بموسم 2020/2021.
هنا من الطبيعي أن تنهال عليه العروض التدريبية ولكنه رفضّ عرضًا مُغريًا من نادي الجزيرة الإماراتي على أمل أن يتولى تدريب منتخب بلاده الذي كان يقوده حينها البوسني وحيد خليلوزيتش ولكن علاقته لم تكن على مايُرام بالاتحاد المغربي.
بالفعل ويتولى تدريب أسود الأطلسي في كأس العالم قطر 2022 البطولة التي فشل في الوصول لها مع بلاده كلاعب.
المهمة صعبة باقي من الزمن 3 أشهر على ظهور أسود الأطلس في مونديال قطر 2022 في محاولة لتعويض المشاركة المُخيبة للأمال في النسخة الماضية التي استضافتها روسيا عام 2018 بعدما تذيّل الفريق مجموعته التي تصدرتها إسبانيا والبرتغال بنقطة واحدة.
وليد الركراكي خرج حينها قائلًا:"أمامنا تحدٍ في قطر وهو أن نُقدم أفضل ما نستطيع في كأس العالم وأن نجعل الشعب المغربي فخورًا بنا.. سنُقاتل بقوة ولكن لا يمكننا تقديم أي وعود، الشيء الوحيد الذي أعد به هو أننا سنكون منافسين ومقاتلين".
المدرب المغربي الذي يستمتع بجوارديولا وسيميوني وأنشيلوتي في طريقة إدارتهم للمباريات، كان يرى أن النجاح في كأس العالم قطر 2022 بالنسبة له تخطى الدور الأول؛ :"لم نفعل ذلك منذ ١٩٨٦" ولكن "رأس الأفوكادو" تخطى ذلك بإقصاء إسبانيا من دور الـ 16 مُعادلًا أفضل إنجاز لبلاده.
ويستعد لكتابه سطر جديد لبلاده في المونديال عند مواجهة البرتغال يوم السبت المقبل في دور ربع النهائي في مباراة يسعى خلالها لكتابة اسمه في التاريخ الكروي على حساب بلد الرجل الذي اشتكى لوالده من استعارته لحذاء نجله البرتغالي.