على خلفية أهرامات الجيزة، حيث تتجاور رموز الحضارة المصرية القديمة مع حاضر الطب الحديث، أجرينا حوارًا مع البروفيسور بيرفيزي، أحد أبرز الأسماء عالميًا في جراحة استبدال المفاصل ومنع وعلاج عدوى المفاصل الصناعية. تحدّث عن محطات مسيرته بين إنجلترا ومايو كلينك ومؤسسة روثمان، ورؤيته لمستقبل جراحة العظام، وتحديات الورك والركبة، ولماذا يرى أن الابتكار والبحث “يصنعان الفارق” في رعاية المرضى.
كثيرون يعرفون اسمك، لكن قد لا يعرفون حجم مساهماتك… من هو البروفيسور بيرفيزي؟ ولماذا أصبحت معروفًا عالميًا؟
أنا أستاذ جراحة العظام في جامعة أجيبادم. بدأت تدريبي الطبي في إنجلترا، ثم أكملت الإقامة في “مايو كلينك”، وبعدها زمالة في سويسرا. عملت في فيلادلفيا داخل مؤسسة روثمان قرابة 20 عامًا، والآن أواصل عملي في جامعة أجيبادم. أجريت عددًا كبيرًا من العمليات، وقدّمت أبحاثًا مكثفة تركّز على مكافحة العدوى، والانصمام الوريدي، وتحسين نتائج المرضى… وأعتقد أن انتشار هذه الأبحاث هو ما جعل اسمي معروفًا لدى كثيرين.

أجريت أكثر من 10 آلاف عملية استبدال مفاصل، وأكثر من ألف بحث منشور… كيف توازن بين الجراحة والبحث؟
كنت محظوظًا بالعمل في بيئات تسمح بإجراء حجم كبير من الحالات بكفاءة عالية، وفي الوقت نفسه تترك مساحة للبحث العلمي. الأهم أيضًا أنني كنت محاطًا بفريق متميز من الرجال والنساء اللامعين، بينهم أطباء مصريون شاركوا في البحث والعمل الأكاديمي. النجاح في هذا المجال لا يصنعه فرد بمفرده.
هذا يبدو مرهقًا… ما السر؟
كما أقول لأولادي: أنا أعمل في وظيفة أحبها. الاستيقاظ مبكرًا، دخول غرفة العمليات، ثم العمل حتى وقت متأخر لتحرير وكتابة الأبحاث… بالنسبة لي يشبه “هواية ممتعة”. عندما تمتلك الشغف، تعمل بجد دون أن تشعر بثقل الوقت.
ما الأهم لجراح العظام اليوم: الجراحة أم التدريس أم الابتكار؟
أرى أنها كلها مهمة. قد لا يهتم بعض الأطباء بالبحث، وهذا مقبول طالما يقدمون رعاية ممتازة للمريض. نحن أطباء أولًا، والمريض يجب أن يكون في المقام الأول. لكن في الوقت ذاته، البحث والابتكار هما ما يغيّران الواقع ويحسّنان جودة الرعاية. بدون الابتكار سنظل نكرر ما كان يحدث قبل 100 عام. الطب الحديث تطوّر بفضل البحث.

مؤخرًا مُنحت الزمالة الفخرية من الكلية الملكية للجراحين في أيرلندا… ماذا يعني لك هذا التكريم؟
شرف كبير جدًا، لأن هذا النوع من التكريم نادر. أشعر بالامتنان للكلية الملكية للجراحين في أيرلندا، فالحصول عليه يعني أن عملي وبحثي وابتكاري وتدريبي للجراحين تم الاعتراف به، وسأعتز به مدى الحياة.
نحن بجانب أهرامات الجيزة… كيف ترى علاقة الطب المصري القديم بجراحة العظام الحديثة؟
قد يبدو الأمر مفاجئًا، لكنه متشابه من حيث المبدأ. كثير من أساسيات الرعاية الطبية ما زالت قائمة على مبادئ قديمة. زرت وادي الملوك في الأقصر ورأيت مشاهد توثّق تقديم الرعاية الطبية… كانت مدهشة. رغم التكنولوجيا الحديثة، جوهر الطب الحديث مبني على مبادئ قديمة علّمنا إياها المصريون وغيرهم.
لو التقيت طبيبًا مصريًا قديمًا استخدم جبائر خشبية ومواد طبيعية… ماذا ستعرض عليه من تقنيات اليوم؟
سأحدثه عن التطور في التخدير ومسكنات الألم، وكيف أصبح المريض اليوم لا يمر بمعاناة الألم كما كان يحدث قديمًا. لكن في المقابل، سأطلب منه أن يعلّمني كيف كانوا ينجحون في منع العدوى رغم غياب التكنولوجيا. المدهش أننا نكتشف اليوم أن استخدام العسل مثلًا له خصائص مضادة للبكتيريا، وكذلك الخل في تنظيف الجروح… وهذا يثبت كم كانوا متقدمين على عصرهم، وأن الطب الحديث يعود ليتعلم من خبراتهم.

عالميًا، مشكلات إصابات الركبة تتزايد… ما أكبر التحديات التي يواجهها المرضى اليوم؟
نحن نجري عمليات استبدال أكثر لأن النتائج أصبحت ممتازة، خصوصًا في الورك والركبة. قديمًا كان التهاب المفاصل قد يصل بالبعض إلى العجز عن المشي. اليوم لا ينبغي لأحد أن يعاني بهذه الصورة. لكن عوامل مثل السمنة، والسكري، وطول العمر، جعلت الأعداد تتزايد. التحدي الكبير هو تكلفة هذا الحجم من العمليات على أنظمة الرعاية الصحية. والتحدي الأهم طبيًا هو العدوى… إنها العدو الأكبر في مثل هذه العمليات.
معروف عنك أنك من أبرز خبراء منع وعلاج عدوى المفاصل الصناعية… ما أبرز التطورات التي حسّنت نتائج جراحات المراجعة؟
في أجيبادم نعمل ببروتوكولات صارمة لإدارة المريض، ونستخدم تقنيات متقدمة مثل بعض الأدوات الجزيئية المرتبطة بعزل الـDNA، ومحاليل مطهرة جديدة، وبروتوكولات جراحية متعددة. بناء منظومة كهذه احتاج وقتًا وتعاونًا بين تخصصات مختلفة، لكنه يمنح المريض أفضل فرصة لعلاج المفصل المصاب.
بعض الدول تعاني نقصًا في الأجزاء أو المختبرات اللازمة لجراحات المراجعة… كيف تتعاملون مع ذلك في مركزكم؟
في الجراحة يجب أن تملك خطة A وB وC… وأحيانًا D. إذا لم تنجح زرعة معينة، لدينا بدائل وتجهيزات متعددة. أعرف أن توافر بعض الزراعات قد يكون محدودًا في مصر، لذا يتم تحويل بعض المرضى إلينا لإجراء الجراحات في مركز IJC حيث تتوفر الخيارات وخطط الطوارئ.
2025_12_24_10_12.webp)
أخيرًا… كيف ترى مستقبل استبدال المفاصل مع صعود الذكاء الاصطناعي؟
الذكاء الاصطناعي سيغيّر الطب بالفعل. نحن نستخدمه للمساعدة في التشخيص وتوقع المخاطر وتحسين بروتوكولات الرعاية. الأهم أنه سيجعل الطب “فرديًا” أكثر؛ لأن ما يناسب مريضًا قد لا يناسب آخر. سيساعدنا على اختيار الاستراتيجية الأنسب لكل حالة، وتقليل المضاعفات مثل العدوى أو الكسور بعد العملية، وحتى دعم اختيار الأدوية والمسكنات بشكل أدق