من داخل الاستاد.. رحلة الصعيدي مع صعود المنتخب للمونديال 3 مرات

كتبت- شروق غنيم:

32 عامًا ولازال قلب وليد الصعيدي يحتضن حيوية ذكرى ذلك اليوم، يخفق كلما مرَّ شريطه أمامه أو جلس رفقة أولاده يحكي بحماس عن تفاصيله؛ فجر الاثنين الموافق 16 نوفمبر عام 1989، صبيًا لا يزال في عمره السادس عشر، يتجهز لحضور أول مباراة في حياته من أرض الملعب، وهو الذي شُغف بعالم المستديرة منذ صغره، اللقاء حاسمٌ والبلد بأكملها تتجهز لتلك اللحظة منذ قرابة نصف قرن، ومن وقتها وتعانق أقدامه الملاعب المختلفة وراء المنتخب القومي أملًا في حضور لحظة تاريخية أخرى.

6 ساعات ونصف تفصل المصريين عن اللقاء الحاسم، إذ يلعب المنتخب الوطني ضد السنغال، مساء اليوم الثلاثاء، في السابعة مساء، في إياب المرحلة الأخيرة من تصفيات قارة إفريقيا المؤهلة لكأس العالم 2022 في قطر.

الجمعة الماضية، حضر الصعيدي لقاء الذهاب الذي جمع مصر والسنغال في ستاد القاهرة، والذي انتهى بفوز منتخب مصر بهدف دون رد. لم يكن الموقف جديدًا على الرجل الخمسيني، وهو الذي حضر لقاءين سابقين حسم فيهما المنتخب الوطني مقعده في كأس العالم، فيما لم يفوّت الثالث في القاهرة أمام السنغال، والذي من شأنه تسهيل المُهمة خلال مباراة الإياب.

عام 1989 كانت المرة الأولى بالنسبة للصعيدي، لم يكن أي شيء عاديًا ذلك اليوم؛ المدينة التي اعتادها الشاب نصف نائمة في الفجر، كانت أعينها مفتوحة على وِسع، تستقبل الجميع في الشوارع، أعلام مصر مغزولة في الأيادي والمحال، ملابس صيفيّة وقُبعات رأس، عربات تغزو الطريق إلى ستاد القاهرة في مدينة نصر، تسع أكثر من عددها الممكن، البعض يجلس فوق سقفها، وأخرين يُخرجون رؤوسهم من النوافذ يلوّحون بالأعلام، وتختلط الدعوات بالهتافات 120 مُشجعًا داخل ستاد القاهرة، بينما مثلهما 55 مليون مواطنًا في الشوارع والمنازل، للفوز على منتخب الجزائر والتأهل للمونديال.

لا تزال الأجواء حاضرة في ذهن الصعيدي إلى اليوم، ابتاع تذكرة بخمسة جنيهات، وفي السادسة صباحًا فُتحت أبواب ستاد القاهرة، استعدادًا للمباراة المُقرر عقدها في الثانية ونصف ظهرًا، في الثالثة شمال جلس بين المشجعين وبرفقة أصدقائه من الثانوية العامة "كنت لسة صغير وفاكر أد إيه مبطلناش تشجيع من الصبح وطول الماتش"، كانت المرة الأولى التي ينطق بها هتاف "يمين شمال هنروح المونديال"، والذي صار مُلازمًا له مع الزمن.

لا صوت أعلى من هتافات الجمهور الحاضر، تُغطي أحيانًا على صوت المذيع الداخلي للمباراة، يتذكر جيدًا حينما أخذ يُنادي أسماء اللاعبين المشاركين من المنتخب الوطني في المباراة "كنا بنهتف لكل لاعب، خصوصًا لما اتقال اسم طاهر أبو زيد، ده أكثر لاعب الجمهور هتف له رغم أنه كان على الدكة في بداية الماتش".

عزفت السيمفونية العسكرية بقيادة محمود إسماعيل السقا السلام الوطني للمنتخبين، وبدأت أجواء المباراة، التي تشابهت في نتيجتها بما جرى الجمعة الماضية مع منتخب السنغال، بعد الدقيقة الرابعة من عُمر المباراة أحرز اللاعب حسام حسن الهدف الوحيد في اللقاء من ضربة رأس، فيما كانت النتيجة نفسها بنفس التوقيت، بعد 32 عامًا حينما ارتطمت كرة محمد صلاح في المدافع السنغالي، ليُحرز الهدف الأول والأخير في المباراة في الدقيقة الرابعة.

أجواء ما بعد المباراة كانت جنونية، احتفالات لا مثيل لها انتشرت في شوارع مصر "كنا بنحضن بعض في الستاد، بين بُكاء واحتفالات لأننا مكناش مصدقين"، فيما لم يغادر اللاعبون وقتها من أرض الملعب دون تحية الجمهور أكثر من مرة، بعضهم أهدى التيشيرت الخاص به للجمهور.

برفقة أصدقائه حضر الصعيدي مباراة مصر والكونغو في أكتوبر من عام 2017، عُمرًا كاملًا مر ولازال يشتاق لطعم الفوز واختبار شعور مماثل في الصعود للمونديال كما حدث في عام 1990، وهو ما ناله الرجل الخمسيني بالفعل "وصلنا قبل الماتش بـ3 ساعات لإسكندرية"، إذ أُقيمت المباراة على ستاد برج العرب "رجعت تاني لإحساسي بنفس الهتاف، يمين شمال هنروح المونديال".

في الدرجة الأولى تواجد عاشق المستديرة هذه المرة، بينما بداخله لايزال يحتفظ نفس الروح التي حضرت من الثالثة شمال في 1989، اختلاف في الأجواء عايشه لكن ظل الهتاف مُوحدًا "في المرة دي كان إحساسنا بأنه مُنتخب صلاح، كل الأمال عليه هو، لكن من 30 سنة وضع الفريق كان مختلف".

لحظات ملحمية مرت على المشجعين، قرابة ستين ألفًا داخل ستاد برج العرب بالإسكندرية، ومائة مليون بين الشوارع والمنازل يتابعون اللقاء "الستاد كله كان بيعيط في أخر 10 دقائق، وعلى أد الخوف كانت الفرحة لما صلاح سدد ضربة الجزاء"، إذ أرسلت ثنائية اللاعب الدولي محمد صلاح مصر لكأس العالم لأول مرة منذ 1990.

لا يكف الصعيدي عن سرد تفاصيل أول مرة حضر فيها مباراة للمنتخب ومعها تأهل للمونديال، لأطفاله الاثنين، يبث فيهما شغف كرة القدم، والتكاتف وراء المنتخب في مبارياته، لذا في تصفيات القارة السمراء هذه المرة قرر اصطحابهما معه إلى الستاد لمُعايشة الأجواء التي طالما يقصها عليهما "هما دلوقتي في تانية ثانوي، في نفس عُمري لما حضرت أول مرة من الستاد، ودي كانت المرة الأولى بالنسبة لهم يحضروا تصفيات مصر لكأس العالم".

أمال كبيرة يعقدها الصعيدي على مباراة اليوم؛ يتحلى بالروح التي حضر بها مباراة مصر والجزائر في نوفمبر 1989 "كانت أعلى مرة شوفت فيها تشجيع وأجواء بالشكل ده"، يتمنى أن يُعاصر المرة الثالثة في حياته لصعود مصر لكأس العالم، والتي ستكون لحظة تاريخية بالنسبة للمنتخب الوطني، إذ تُعتبر المرة الثانية "لأن دايمًا في فجوات بين المرات اللي صعدنا فيها"، إذ كانت الأولى عام 1934، والثانية عام 1989، والثالثة 2017، وستكون الرابعة في تاريخ الفراعنة إذا حسم لقاء اليوم.